يزور الرئيس عبدالفتاح السيسي،رئيس الجمهورية، تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج، رئيس جمهورية الصين الشعبية، العاصمة بكين خلال الفترة منذ الثلاثاء وحتى الغد الجمعة.
وتتضمن الزيارة عقد مباحثات قمة بين الرئيسين، ولقاءات مع كبار قيادات الدولة الصينية، لمناقشة أوجه تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق أوسع للتعاون في مختلف المجالات، تزامناً مع الذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين مصر والصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة
وأيضا تشمل المباحثات كذلك مختلف القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الحرب في غزة، وسبل استعادة الاستقرار في المنطقة، بما يحقق تطلعات شعوبها نحو السلام والأمن والتنمية.
ولكن، كيف وصلت العلاقات المصرية الصينية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية؟
وفقا لدراسة أعدتها الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فتشهد العلاقات المصرية الصينية تطورًا مستمرًا في كافة المجالات علي مدى العقود الستة الماضية، أثبتت قدرتها على مواكبة التحولات الدولية والإقليمية والداخلية.
كما تنتهج الدولتان سياسات متوافقة من حيث السعي والعمل من أجل السلام في كافة أرجاء العالم والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل قائم على احترام خصوصية كل دولة، فضلا عن تفهم كل طرف للقضايا الجوهرية للطرف الآخر.
وتتمسك الدولتان بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة والسعي إلى حل النزاعات عبر الطرق السلمية، والتي ظهرت في مواقف كل منهما تجاه الآخر في مختلف المحافل الدولية وخاصة في ملفات النزاعات الإقليمية والدولية.
كما تؤكد مصر موقفها الثابت بوجود دولة واحدة للصين هي جمهورية الصين الشعبية، كما تبنت الصين موقفًا مؤيدًا لاختيارات الشعب المصري خلال الخمس سنوات الماضية وأعلنت مرارًا رفضها لأي تدخل خارجي في الشأن المصري، وهو ما جعل من العلاقات بين الدولتين استراتيجية.
أول دولة تقيم تبادلا دبلوماسيا
وذكرت دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء، إلى أن مصر تعد أول دولة في الشرق الأوسط أقامت تبادلًا دبلوماسيًّا مع الصين في العصر الحديث منذ عام 1928، وفي مطلع سبتمبر عام 1935، افتتحت الصين أول قنصلية لها في منطقة الشرق الأوسط في القاهرة.
وتعد مصر أيضًا أول دولة عربية وإفريقية اعترفت بالصين الجديدة “جمهورية الصين الشعبية”، في الثلاثين من مايو عام 1956، حيث شهدت القاهرة أول زيارة خارجية في المنطقة العربية وإفريقيا لرئيس مجلس الدولة الصيني الراحل، تشو أن لاي، في ديسمبر عام 1963.
وخلال الزيارة التاريخية، طرح الرئيس الصيني المبادئ الخمسة التي توجِّه علاقات الصين مع الدول العربية والإفريقية، وهي: دعم الشعوب العربية والإفريقية في نضالها لمقاومة الإمبريالية والاستعمار القديم والجديد؛ من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والمحافظة عليه.
وأيضا تأييد انتهاج سياسة السلام والحياد وعدم الانحياز من قِبل حكومات الدول العربية والإفريقية، ودعم رغبة الشعوب فيها في تحقيق الوحدة والتضامن على النحو الذي تختاره، ودعم جهود تلك الدول في حل نزاعاتها من خلال المشاورات السلمية، وأخيرًا، ضرورة احترام سيادة الدول العربية والإفريقية، وعدم التدخل في شؤونها من أي جهة.
وعندما قرَّرت الصين سحب سفرائها من العواصم العربية، خلال فترة الثورة الثقافية فيها، منذ 1966 وحتى 1976، استثنت القاهرة من قرارها.
مرحلة الشراكة الاستراتيجية
أصبحت مصر هي أول دولة نامية وقَّعت الصين معها اتفاق شراكة استراتيجية، في عام 1999، حيث أصبح يجمع البلدين في إطار الشراكة الاستراتيجية العديد من أطر التعاون على المستوى الثنائي، شمل المعاهدات والاتفاقيات وبرامج التعاون الثنائية، وعلى المستوى الإقليمي من خلال العضوية في منتديات تعاون أبرزها منتدى التعاون الإفريقي- الصيني الذي تأسس سنة 2000، ومنتدى التعاون العربي- الصيني الذي أنشئ في عام 2004، وعلى المستوى الدولي من خلال المنظمات والاتفاقيات والمنتديات الدولية.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 12.2 مليون دولار أمريكي في عام 1954 إلى 452 مليون دولار أمريكي عام 1995 إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي في عام 2013، ثم إلى أربعة عشر مليارًا وخمسمائة وستين مليون دولار أمريكي في عام 2020؛ أي أنه تضاعف نحو ألف مرة خلال الخمسة والستين عامًا الماضية.
وصارت مصر الشريك التجاري رقم 40 للصين، كما وصل حجم الاستثمارات الصينية فى مصر إلى سبعة مليارات وسبعمائة مليون دولار أمريكي حتى نهاية عام 2020، حيث يعد التعاون المصري- الصيني في المنطقة الاقتصادية بشمال غرب خليج السويس نموذجًا واعدًا للتعاون الاستثماري بين البلدين.
العلاقات الثقافية تسبق الدبلوماسية
وعلى الجانبين الثقافي والتعليمي، احتضنت مصر أول تبادل ثقافي للصين مع الدول العربية والإسلامية عندما استقبلت جامعة الأزهر أول بعثة من الطلاب الصينيين المسلمين في العشرين من ديسمبر عام 1931، والتي ضمت علماء حملوا لواء نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في ربوع الصين طوال القرن العشرين، من بينهم محمد مكين ما جيان، مؤسس قسم اللغة العربية في جامعة بكين.
وكان التبادل الثقافي متقدمًا على العلاقات الدبلوماسية؛ فقد أبرمَ البلدان في مايو 1955 أول اتفاقية تعاون ثقافي بينهما، ليبدأ تبادل الوفود الثقافية التي لم تتوقف بين البلدين.
وأصبحت مصر هي أول دولة في إفريقيا والشرق الأوسط افتتحت قسمًا لتدريس اللغة الصينية في جامعاتها، في جامعة عين شمس عام 1958، فيما أنشأت الصين، في عام 2002، أول مركز ثقافي لها في إفريقيا والشرق الأوسط بالقاهرة.
كما أن مصر هي أول دولة عربية انفتحت إعلاميًّا على الصين عندما أقامت مكتبًا لوكالة أنباء الشرق الأوسط في بكين في عام 1996.
وأصبحت القاهرة تضم المقر الإقليمي للشرق الأوسط لكل من وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” ومجلة “الصين اليوم” والعديد من وسائل الإعلام الصينية المرئية والمسموعة والمقروءة.