• بعد إصابته بكورونا.. قرر إخراج فيلم «أوه كندا» لمطاردة شياطين الشيخوخة
• المخرج الأمريكى ساخرًا: سأقوم بتأسيس شركة «سينما ما بعد الوفاة»
• من السهل إنتاج فيلم لكن من الصعب كسب العيش.. والأفلام تتمتع بفترة صلاحية أطول
• إذا أردت أن تكون صانع أفلام فكن حقيقيًا حتى يرى الناس أفلامك
يبقى المخرج والمؤلف الأمريكى بول شريدر «٧٨» عاما واحدا من علامات السينما، بتاريخه الحافل بروائع الأفلام على مدى أكثر من نصف قرن، سواء التى قدمها كمؤلف مع سكورسيزى مثل «سائق التاكسى» و«الثور الهائج» و«الإغراء الأخير للمسيح»، أو كمخرج مثل «أصحاب الياقات الزرقاء» و«الإصلاح الأول» وميشيما.. حياة فى أربعة فصول و«القواد الأمريكى»، «البستانى»، و«عداد أوراق اللعب».
بعد سلسلة من العلاج فى المستشفى لفترة طويلة بسبب كوفيد، أدرك بول شريدر هذه الحقيقة التى ملأت مشاعره.. شعر بأن الموت يقترب منه، قال لنفسه: «إذا كنت سأصنع فيلما عن الموت، فمن الأفضل أن أسرع»، بل وقال ساخرا أيضا «سأقوم بتأسيس شركة جديدة تسمى «سينما ما بعد الوفاة»».
فصنع فيلمًا عنه وهو «أوه كندا» الذى عرض بمهرجان كان السينمائى الأخير العائد إليه بعد ٣٦ عاما، ومنذ أن حصد السعفة الذهبية بـ «سائق التاكسى».
الفيلم الجديد أحداثه حول مخرج أفلام وثائقية كندى شهير، يجرى مقابلة أخيرة مع أحد طلابه السابقين ليخبرنا الحقيقة الكاملة عن حياته.. اعتراف تم تصويره أمام زوجته مباشرة.
فكرة «أوه كندا» الذى يقوم ببطولته ريتشارد جير، تشير إلى كونها تكاملية الروحية لـ فيلمه القديم «القواد الأمريكى»، هنا يلعب جير دور مخرج كندى كبير يدعى ليونارد فايف، وهو على فراش الموت تقريبًا، يجلس متذمرًا لإجراء مقابلة مع صانعى الأفلام الوثائقية. تشاهد زوجته (أوما ثورمان) ليونارد وهو يروى قصة حياته، والتى شوهدت فى ذكريات الماضى مع جاكوب إلوردى وهو يلعب دور فايف الأصغر سنا، فى الستينيات. لدينا انطباع بأن فايف، الذى فر إلى كندا خلال حرب فيتنام، يتحدث بأمانة أكثر من أى وقت مضى.
يتخلى شريدر بشجاعة عن الدقة السردية فى عمله الأخير ويتناول موضوعات كبرى مثل الذاكرة والفناء والحساب الذاتى الفنى، للحصول على تأثير ممزق رسميًا ولكن مؤثر بصدق، كندا يمكن أن يكون فيلمًا قاسيًا فى بعض الأحيان، ولكنه أيضًا مباراة رائعة بين المخرج والممثل، ويبدو أن كلاهما يحاول طرد شياطين الشيخوخة من خلال الفن.
ويعود بول شريدر ليحاور ذاته «قلت لنفسى إذا كنت تريد أن تكون كاتبًا، فكن كاتبًا حقيقيًا واطلب من الناس قراءة كلماتك. إذا كنت تريد أن تكون صانع أفلام، فكن صانع أفلام حقيقيا حتى يرى الناس أفلامك» إن صنع الفن الذى يمكن أن يصمد أمام اختبار الزمن أصبح شاغلاً له بشكل متزايد، وأوضح شريدر: «يبدو أن الأفلام تتمتع بفترة صلاحية أطول، وهذا أمر صعب للغاية بالنسبة للفن ــ كيف يمكنك منح فيلم أو عمل فنى فترة صلاحية أطول؟، كيف تصنع فيلمًا يعود الناس لمشاهدته بعد عشرين أو ثلاثين عامًا؟».
قرر شريدر تحويل رواية بانكس «ضائع» التى قدمت عام ٢٠٢١ إلى فيلم. فى ذلك الوقت، كان يتصور أن هذا سيكون الأخير له، لكن شريدر، الذى كان غزير الإنتاج أكثر من أى وقت مضى فى العقد الماضى، قال ذلك كثيرا من قبل. ففى عام ٢٠١٧، توقع أن فيلمه الإصلاح الأول «First Reformed» سيكون آخر أعماله السينمائية. ثم قام بعمل فيلم عداد أوراق اللعب «The Card Counter» عام ٢٠٢١ وبعد ذلك جاء فيلمه العظيم البستانى «Master Gardener» عام ٢٠٢٢.
وصرح شريدر لوكالة أسوشيتد برس فى مقابلة فى مهرجان كان السينمائى: «المفارقة هى أنه فى كل مرة تفكر فيها، أنه حان الوقت للاكتفاء تعود، حسنًا، هذا هو الأمر؛ حيث يكون لديك فكرة جديدة، وعليك أن تكتب الفكرة الجديدة وتصنع الفيلم الجديد».
لا يسمح شريدر لنفسه كثيرا بالحنين إلى الماضى. كان هناك الكثير من الأفلام السيئة هكذا يقول شريدر عن السبعينيات. «ومع ذلك، فقد كانت مرحلة ولادة الحركة الذاتية فى السينما. لذلك أنا وجورج لوكاس وفرانسيس فورد كوبولا جميعنا خريجون فى مدرسة السينما مثل سكورسيزى، بدأنا جميعًا حياتنا المهنية فى هذه البيئة. لقد كانت تلك لحظة ذهبية، لكن هذا لا يعنى أن جميع الأفلام كانت ذهبية».
وعن اختياره لبطل فيلمه «اوه كندا» يقول شريدر: «كان ريتشارد جير يطوّر بعض السلوكيات التى لم أكن مرتاحًا لها تمامًا كمخرج، والأدوار التى لم أكن مرتاحًا لها.. كنت أفكر أكثر فيما يتعلق بإيثان هوك وأوسكار إسحاق وروبرت دينيرو.. وضعت بعض الشروط أمام جير وقلت له: سأرسل لك العمل بثلاثة شروط: أحدهما أن تقرأه فى الحال. ثانيا، أن أحصل على إجابة فى غضون أسبوعين. وثالثًا، أن تفهم معاييرى المالية، هو وافق. وقلت نفس الشىء لروبرت دى نيرو. قال بوب: حسنًا، أوافق على الخيارين الأولين وليس الثالث.
يقول شريدر ضاحكا: «لذلك لم أرسل السيناريو إلى بوب».
منذ فيلم «The Canyons» عام ٢٠١٣ والذى أخرجه عن سيناريو بريت إيستون إليس، وجد شريدر طريقة لجعل اقتصاديات صناعة الأفلام المستقلة تعمل لصالحه.. اعتقد الناس أن ذلك كان نوعًا من الفشل المهنى اليائس، لكنه كان بمثابة لمحة عن عالم جديد. يقول شريدر: «لقد كانت تجربة تجريبية لكيفية إنتاج الفيلم بنفسك.. بعد ذلك، علمت أنه يمكنك صنع فيلم والحصول على النسخة النهائية منه. يمكنك أن تقول للمستثمر: «لن أجعلك ثريًا، اخرج هذا الكلب من رأسك. لكننى أعتقد أننى سأجعلك ناجحا وسأعطيك الفضل وسأضعك على السجادة الحمراء فى مكان ما. يمكنك أن تضع أموالك فى المحامص أو الإطارات، أو يمكنك أن تضعها فى هذا الفيلم».
يقول شريدر إن التحذير المهم فى ذلك هو أنه نشأ فى النظام القديم لهوليوود. إنه غير متأكد من أن نفس الاستراتيجية يمكن أن تنجح مع شخص أقل رسوخًا فى المشهد الرقمى اليوم.
يقول شريدر: «عادةً ما تذهب إلى السينما لأنها شىء تريد رؤيته وسط حشد من الناس«. «مثلاً، ذهبت لمشاهدة فيلم Cocaine Bear لأننى كنت أعلم أنه سيكون من الرائع رؤيته مع الجمهور».
ويقول أيضا من السهل جدًا إنتاج فيلم. من الصعب جدًا كسب العيش.