بدأت السينمات المصرية في عرض فيلم الهوى سلطان، بطولة منة وأحمد داود، وهو من تأليف وإخراج هبة يسري، في أول تجربة لها بعد غياب سنوات، حيث كان آخر عمل لها مسلسل سابع جار عام 2017 الذي حقق نجاحاً كبيراً، مما يرفع سقف التوقعات نحو الفيلم الجديد.
يشارك في بطولة الفيلم جيهان الشماشرجي، وأحمد خالد صالح، وخالد كمال، وفدوى عابد، ونورين أبوسعدة، وضيوف الشرف سوسن بدر، وعماد رشاد، وقد حقق الفيلم إيرادات تجاوزت 2 مليون جنيه خلال 48 ساعة من العرض.
وتدور الأحداث في إطار رومانسي حول علاقة قرب وصداقة طويلة بين علي “أحمد داود” وسارة “منة شلبي”، تجعل الثنائي يشعران بالراحة والسعادة معاً أغلب الوقت، ولكن لا يفكر كلاهما الارتباط بالآخر، لأن علاقتهما بدأت منذ الطفولة وكأنهما إخوة، لذلك يبحث علي عن فتاة لكي يرتبط بها ولكن كل مرة يصاب بالفشل مما يجعله شخص محبط وحزين لأنه لا يعرف ماذا يريد ولكنه يسعى للزواج على أمل تحسين حياته، بينما سارة مكتفية بحياتها وصداقتهما، ولكن الأحداث تتطور في تجاه يجعل سارة تشعر بالوحدة وتسعى هي الأخرى للارتباط.
تطرح هبة يسري في الفيلم مشاعر إنسانية بحتة دون الحكم على أصحابها أو وصمهم، أو محاولة خلق شخصيات “أبيض وأسود” أو خير بحت وشر بحت، ولكنها تخلق شخصيات بشرية تعبر عن التناقض والحيرة والتردد والخوف، ربما يتعاطف معهم المُشاهد أحياناً وربما يشعر أن علي أناني أو رجل متردد وضعيف، وربما لا، لا تصدر هبة أحكاما على شخصياتها الدرامية بل تجعلهم أكثر اقترابا من الواقع، لأن البشر ليسوا دائماً لديهم خطة واضحة لتصرفاتهم، وهذا الجانب من أهم مميزات العمل.
ولكن يؤخذ على الفيلم بعض التفاصيل المتعلقة بإيقاع دراما العمل ككل، حيث تمتد مدة الفيلم أكثر من ساعتين، نتيجة تكرار بعض المشاهد لإظهار فكرة معينة، على الرغم من أن هذه الفكرة بالفعل قد برزت، وهذا التكرار يخلق ما يسمى “بحشو الأحداث”.
بالإضافة إلى بعض الشخصيات التي أوحت المخرجة في بداية العمل أنهم شخصيات محورية، بل ينطلق أول مشهد بوجودهم ثم نكتشف غيابهم أغلب الأحداث وكأن وجودهم كان شبحياً وباهتاً، ولا يظهروا مرة أخرى إلا في نهاية الفيلم، وهم مجموعة الأصدقاء المشتركين لعلي وسارة، والذين لا نعلم ما سر اجتماعهم معاً وقربهم من بعض إلى هذا الحد، ويلعب هذه الشخصيات خالد كمال وفدوى عابد ونورين أبو سعدة، حيث ينتمي كل فرد لحالة اجتماعية مختلفة، وأعمال مختلفة ومع ذلك أصدقاء لدرجة كبيرة كما يظهر في أول مشهد، لذلك يفتقر هذا الخط الدرامي إلى المنطق، وإذا تم حذف مشاهدهم لن يتأثر الفيلم تقريباً.
لأن وفقاً للناقد علي أبو شادي في كتابه “سحر السينما” كل خط درامي أو تفصيلة درامية يتم زرعها في العمل، هي محرك يدفع الأحداث الدرامية للتحرك للأمام وللتطور، وعندما يفقد العنصر الدرامي قدرته على التأثير والفعالية وتحريك الأحداث إذا وجوده ليس معنى له بشكل فعلي ويمكن الاستغناء عنه.
وقال: “ينبغي على الشخصية أن تسهم مساهمة فعالة فيما يدور حولها من أحداث وتشارك مشاركة إيجابية في الصراع الدرامي الدائر خارجها بينها وبين غيرها من الشخصيات، وبين الشخصيات جميعا وبين مجتمعها أو الواقع الخارجي وعلى قدر مساهمة الشخصية في الصراع تتوقف حيويتها وتكمن قدرتها على التطور”.
ويمكن اعتبار هاتين النقطتين فقط من المشاكل الموجودة في الفيلم على مستوى إيقاعه، ولكن في العموم استطاعت هبة يسري خلق حالة سينمائية جيدة لم تترك هذا التضارب الإيقاعي أن يفسدها أو يخلق حالة طويلة من الملل، لأن شخصيات الفيلم الأساسية حيوية ومرحة وترتبط بذكريات تتلامس مع جيل الثمانينيات والتسعينيات، مثل برامج محمود سعد و”إفيهات” أفلام العقد الأول من الألفية، وحب مشاهدة التلفزيون والأفلام القديمة، وهذه الحالة هي واحدة من العوامل المشتركة التي تجعل الثنائي يشعران بالراحة والحميمية مع بعضهما، والتنافر والوحدة مع الشخصيات الأخرى.
ومن ضمن الأدوات الذكية التي جذبت الجمهور للفيلم منذ عرض البرومو الترويجي له، اللعب على ثيمة حب المطرب بهاء سلطان التي يشترك فيها الثنائي، والتي دعمت أغنيته الخاصة بالفيلم رواج العمل وشعبيته قبل بداية عرضه، خاصاً وأن كلمات الأغنية “والتي هي ضمن شريط الصوت” تعبر عن الحالة الخاصة بالأبطال، حيث يقول في إحدى الكوبليهات “أنا من غيرك بتوه توهان أنا من غيرك مليش عنوان”، وهو بالتحديد شعور الاغتراب الذي اختبره كلاً من علي وسارة عندما ارتبطا بشخصيات مختلفة عنهما.
أما على مستوى الاختيارات للممثلين، فهي في محلها تحديداً فيما يتعلق باختيار منة شلبي، لأن هذا النوع السينمائي ليس غريباً على منة، بل بالعكس هي من الممثلات الحريصات على تقديم الأفلام الرومانسية البسيطة، كما صرحت بذلك سابقاً، مثل “إذاعة حب، وبيبو وبشر”، وتحقق من خلالها نجاحاً جيداً، كما أنها تبرز قدرتها على التنوع من خلال اختيار أفلام مختلفة كل فترة، بين الكوميدي والرومانسي أو الاجتماعي الواقعي مثل فيلم “نوارة”.