كانت السجادة الحمراء لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي مُزينة بالملابس الفلسطينية والأعلام، قبل عرض الفيلم التسجيلي “وين صرنا” للمخرجة والممثلة دُرة زروق، حيث اصطحبت درة بطلات فيلمها وهن يرتدين الزي الفلسطيني، كما حمل الحضور من النجوم والنجمات دبوس شعار فلسطين.
فيلم “وين صرنا” هو أول تجربة إخراجية للممثلة التونسية درة زروق، كما أنه من إنتاجها، وقد قررت أن يكون موضوع فيلمها الأول هو فلسطين، وتحديداً غزة، حيث تروي قصة أسرة مكونة من أم و7 أبناء فتيات وشاب واحد، كيف نزحوا من غزة وانقلبت حياتهم بعد بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما مروا به حتى وصلوا إلى مصر واستقروا بها.
يحمل الفيلم كثير من المشاعر الإنسانية والدموع والأصوات المحملة بالحزن والإنكسار، ولكنه أيضاً لا يخلو من لحظات المرح العابر بين أبناء الأسرة الواحدة، ولحظات الأمل الذي لا ينتهي بأن يوماً ما سوف يتغير كل شئ وتعود الحياة كما كانت حتى وإن بدا ذلك مستحيلاً.
بدا الفيلم بسيطاً للغاية على مستوى الإخراج الفني والصورة المرئية، لم تتجه درة لاستخدام أي رمزيات أو دلالات فنية، أو توظيف الكثير من الكادرات داخل لقطات مختلفة، بل اعتمدت على اللقطة المتوسطة في أغلب حالات التصوير مع الشخصيات “الفتيات وأمهن”، واللقطات الواسعة وbird angel وهذه كانت في اللقطات الخاصة بغزة تحديداً والتي تولى تصويرها أحمد الدنف، ولم تخرج درة -كونها مخرجة العمل- عن هذه اللقطات تقريباً، مع استخدام اللقطات القريبة جداً لعيون الشخصيات وأيديهم المرتعشة في حالات قليلة أثناء تأثرهن وبكائهن، وقد استعانت درة بمديرين تصوير هما: نانسي عبدالفتاح وخالد جلال.
ركز الفيلم على اللحظات المؤثرة في حياة الأسرة وتحديداً لحظات التحول من حياة إلى أخرى والتنقل والبحث عن مكان آمن، واعتمد أسلوب سردي بحت على لسان الشخصيات، في لقطات متشابهة تقريباً، تشبه التقارير التلفزيونية المسجلة، حيث قصت كل فتاة ما كانت تعيشه قبل الحرب واللحظة الفارقة التي غيرت كل شيء وما تفتقده حالياً في حياتها الجديدة.
وكانت قصة نادين، الأخت الكبرى والمتزوجة الوحيدة في الفتيات الأبرز والتي ركزت عليها درة في الحكاية، فقد وصلت نادين إلى مصر بعد 3 أشهر من الحرب، برفقة ابنتيها الرضيعتين التوأم، اللتين أنجبتهما قبل الحرب ببضعة أشهر، وكانت قد انتظرتهما طويلاً، حتى استطاعت أن تلجأ إلى “أطفال الأنابيب” للإنجاب، وعلى قصة زوجها الذي لم يستطع الانضمام لها إلى بعد شهرين من السفر إلى مصر.
كانت تسكن الأسرة في منطقة تل الهوى بغزة، وقد دمرت المنطقة تماماً جراء القصف، ويعتمد الفيلم على المادة الأرشيفية من صور ومقاطع فيديو في فترات زمنية مختلف، وهي واحدة من أهم أدوات السينما التسجيلية، لعرض التناقض قبل وبعد العدوان داخل منطقة تل الهوى وداخل منزل الأسرة في غزة وفي المخيم ثم مصر.
ومن العبارات شديدة التأثير التي أتت على لسان الشخصيات: “حتى البؤرة اللي رضينا بيها استخسروها فينا وقصفوها”، “لما بدأ القصف ظنينا يومين وراجعين زي كل حرب لكن هذه المرة كان غير”، “إحنا في سجن ومعزولين عن العالم من قبل الحرب”، “الكتب ولعناها عشان نعمل خبز”.
كان الفيلم مؤثراً بسبب قصته الإنسانية، وقد صرحت درة فى كلمتها قبل عرضه: “عملت الفيلم بكل حب ومن قلبي ومن أصدق التجارب وكان نفسي أقدم فيلم من إخراجي لقيت نفسى بقدم فيلم من إخراجي وإنتاجي، وأهم حاجة في الفيلم أبطاله وهما ناس حقيقية من فلسطين، والإبادة مستمرة بحق إخواتنا فى فلسطين حتى الآن، وكنت محتاجة أقدم رسالة بالفيلم وتكون بشكل حقيقي وحبيت أقدم الجانب الإنساني والمشاعر، والفلسطينيين عمرهم ما هيكونوا أرقام وكل تقدير وتحية للشعب الفلسطيني اتعلمت منه الكثير”.