اختلفت أجواء الحياة في سوريا خلال شهر رمضان الكريم هذا العام عن الأعوام السابقة، وذلك بسبب الغلاء الذي تشهده الأسواق السورية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدني قيمة الليرة.
وقبل بداية الشهر الفضيل، تبدأ بعض العائلات بشراء احتياجات الأساسية من مواد غذائية حتى توفر عناء التوجه إلى الأسواق خلال أيام الصيام.
ويحرص عبد الله سعيد (55 عاما)، يعمل في شركة خاصة مقرها خارج دمشق، ويعيش في حي الميدان الدمشقي، على تأمين احتياجات منزله من المواد الغذائية الجافة ومواد التنظيف قبل بداية شهر رمضان.
ويقول سعيد، الذي كان يتسوق في سوق البزورية وسط دمشق القديمة: “قبل أسبوع تقريبا من بداية شهر رمضان اشتريت أغلب المواد الغذائية من رز وسكر وسمنة ومربيات وتمر ولحم، نترك الخضار والفواكه نشتريها خلال الأيام”.
ويضيف سعيد لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “أغلب أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال شهر رمضان بنسبة من 15 إلى 30%، أما بالنسبة للخضار والفواكه، فقد ازدادت أسعارها لأكثر من 25%، حيث بلغ سعر كيلو البندورة / الطماطم من 8000 إلى 10000 آلاف ليرة سورية -ما يعادل 70 سنتا أمريكيا”، ويعادل الدولار الأمريكي في سوق الصرف حوالي 14500 ليرة سورية.
وينتقد فراس إبراهيم، عامل بناء في مدينة صحنايا جنوب العاصمة دمشق، الارتفاع الجنوني للأسعار بين شهر رمضان العام الماضي وهذا العام “في رمضان الماضي كان سعر كيلو البندورة (الطماطم) لا يتجاوز 4000 ليرة سورية، وكيلو السكر 6000 ليرة، وسعر كيلو الزيت 10000 آلاف حاليا، الأسعار أكثر من الضعف حيث بلغ سعر كيلو السكر 15 ألف ليرة سورية، والزيت 25 ألف أما أسعار اللحوم من غنم وبقر وفروج أصبحت خارج قائمة المشتريات بعد أن وصل سعر كيلو لحم الغنم 220 ألف ليرة والبقر 175 ألف ليرة”.
ويضيف إبراهيم: “المائدة الرمضانية في أغلب المنازل تقلصت إلى نسبة 50% عن العام السابق فقد غابت الكثير من المواد عنها واقتصرت على المواد الرز والبرغل وقليل من الخضار وأصبحت الفواكه واللحوم من المنسيات وأصبح سعر كيلو اللحم أكثر من نصف راتب موظف”.
وتقول ساره نادر، معلمة في إحدى مدارس حي الشاغور: “بكل صدق، الناس تعيش حالة من الصيام قبل رمضان نظرا للظروف الاقتصادية التي يعيشها أغلب السوريين، أعمل دوامين وأقوم بتدريس طلاب خارج الدوام حتى أستطيع تأمين احتياجات أسرتي بالحد الأدنى، كنا نشتري اللبنة والجبنة قبل رمضان لكن هذا العام نشتري اللبنة بكميات قليلة جدا بسبب غلاء سعرها وبسبب عدم وجود كهرباء”.
وأثر الارتفاع في الأسعار بشكل كبير على بيع محلات الجملة التي تبيع المواد الغذائية وللمحال الصغيرة.
ويقول ثامر إسماعيل ويملك محلا كبيرا لبيع المواد الغذائية في بلدة جديدة عرطوز جنوب دمشق: “منذ عدة أشهر هناك تناقص كبير بكمية المواد الغذائية التي نجلبها من الشركات أو التي نبيعها إلى المحلات الصغيرة، بسبب تناقص القوة الشرائية، وصلنا إلى مرحلة بيع السكر والرز والبرغل بكمية نصف كيلو، هذ لم يحصل في حياتي التي أمضيت 40 عاما في هذه المهنة”.
ولم يعد الدخل وانخفاض قيمة الليرة السورية يجاريان ارتفاع الأسعار المرتبط منها بالدولار، فقد كان سعر الدولار في شهر رمضان الماضي حوالي 7000 ليرة سورية وحاليا سعره يتجاوز 14500 ليرة سورية، وهو ارتفاع عصف بكل المواد الغذائية والأساسية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات وخاصة الديزل والبنزين ما أدى لارتفاع أسعار نقل المواد الغذائية والزراعية.
وتعتبر الدكتورة بريهان محمد، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن “هناك فجوة عميقة جدا بين دخل المواطن/الموظف وبين الأسعار ومعدل رواتب العاملين في القطاع العام وهي بين 300 إلى 500 ألف ليرة سورية، في حين احتياجات الأسرة المؤلفة من 4 أشخاص تتجاوز المليون ونصف إلى مليوني ليرة وأتحدث فقط عن الطعام وبالحدود الدنيا، وجبات الطعام اليومية أصبحت تكلف أكثر من 50 ألف ليرة”.
وتضيف الدكتورة بريهان لـ (د.ب.أ): “مهما حاولت الأسرة من اقتصاد النفقات، لا يزال هناك نقص كبير ويعوض هذا النقص اعتماد على أكثر من عمل والتحويلات الخارجية”.
ويقول علي خليل (45 عاما) موظف في مديرية حكومية: “قبل عدة أشهر زادت الرواتب بنسبة 100 % تقريبا، ولكن ماذا تفعل تلك النسبة أمام غلاء يزداد بنسبة 300 %”.
ويؤكد خليل أن “الغلاء أدى إلى تلاشي بعض العادات التي تعتبر من طقوس رمضان وهي (سكبة) الإفطار، حيث تتبادل العائلات وجبات الطعام التي تم إعدادها للفطور، ولكن الوضع المادي للأهالي أدى إلى اعتماد وجبات تعتمد في أغلبها على غلي البطاطا وبعض الخضروات”.