حتى مساء 29 يونيو 2013 كانت مصر دولة فى مهب الرياح، استولت عليها على حين غفلة جماعة لا تعرف لحكم الدول الكبرى أحكاما، لأنها منذ أن تأسست فى 1928 وهى تابعة ومتبوعة ولم تكن يوما فى مركز القيادة أو الحُكم، لذلك لم يكن مستغربا أن تستباح الدولة المصرية من الداخل والخارج خلال الأعوام الثلاثة التى قبض خلالها أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية على الحكم، تحديدا بعد 25 يناير 2011، ووصولا إلى 30 يونيو 2013.
خلال السنوات الثلاث، تراكمت أزمات فى الداخل، ولم يعد لمصر أى رصيد فى الخارج، فأصبحت مصر دولة شبه منكمشة على نفسها داخليا وتعانى من أزمات متراكمة، جعلتها لأسباب متعددة يدركها الجميع، أشبه بالدولة المفككة داخليا فى محاولة للملمة جراحها، وكان لهذا الوضع تأثيرات كبيرة تعدت الحدود المصرية، لأنه مع المعاناة المصرية فى الداخل تحولت دول المنطقة بالتبعية خاصة المحيطة بنا إلى دول مستباحة من قوى دولية وأخرى إقليمية رأت الفرصة مواتية لها لتفعل فى هذه الدول ما يتراءى لها، خاصة أن مصر الدولة الكبرى فى الإقليم بعيدة عن أى امتدادات إقليمية، وتكتفى بأزماتها الداخلية التى عملت هذه القوى على زيادة تأثيراتها، لتظل مصر منكفئة على الداخل، مستغلة فى الوقت نفسه تيارا داخليا كان يريد منذ البداية أن يكون شوكة فى ظهر مصر، وقابلا لأى عوامل خارجية تحركه أينما شاءت هذه القوى، وأقصد هنا تنظيم الإخوان الإرهابى، الذى لعب دورا خطيرا وما زال فى محاولة تفتيت مصر، وإخراجها من المعادلة الإقليمية والدولية، لصالح أطراف أخرى، تعتبر تنظيم الإخوان الإرهابى إحدى أذرعها القوية ليس فقط لتفتيت مصر، وإنما لإحداث الفوضى فى كل دول المنطقة.
كانت البداية هى 30 يونيو 2013، وكان القرار بعد ذلك حينما طلب المصريون من المشير عبدالفتاح السيسى، الترشح للرئاسة، لأنه الوحيد القادر على قيادة التحول فى مصر.. التحول نحو الجمهورية الجديدة.
فبعد ما كانت مصر تعانى من أزمات اقتصادية وسياسية، استطاعت مصر بعدما اختار المصريون الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيسا لهم – تحديدا فى 8 يونيو 2014، حينما أدى اليمين الدستورية رئيسا لمصر- أن تغلق خريطة 2013 الكئيبة، فتحولت التنمية إلى شعار وعمل جاد على الأرض، من خلال مشروعات ومبادرات رئاسية جعلت كل شبر فى مصر خلية عمل، واخترق المصريون الصحراء لتعميرها بالزراعة والمشروعات الصناعية الكبرى الكفيلة بتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، وبدأت معدلات النمو تعود تدريجيا إلى وضعها.
مَن كان يصدق أن مصر التى غلبها العوز الاقتصادى، تتحول لدولة تحقق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى وتصدر الفائض منه، وقريبة من تحقيق الاكتفاء الكامل من المنتجات البترولية؟.. مَن كان يصدق أن مصر التى كانت تسير بنظام المبادلة بين القرى والمدن بقطع التيار الكهربائى فى منطقة لساعات وربما يوم لتوفيره لمنطقة أخرى، أن تمتلك فى هذه السنوات القليلة هذه الشبكة العملاقة من الكهرباء التى جعلتها تنير كل ربوع الجمهورية، وتصدر الفائض لدول جارة وشقيقة؟
مَن كان يصدق أن المواطن المصرى الذى كانت أمنيته الأولى فى 2013 أن يهاجر ويترك مصر بحثا عن الأمن والأمان ولقمة العيش، هو نفسه المواطن الذى بقى فى مصر ليشارك فى إعادة بناء دولته لتكون قائدة للمنطقة وحصن أمان ليس فقط للمصريين وإنما لكل دول المنطقة التى أتعبها انكفاء مصر على نفسها لسنوات؟
مَن كان يصدق أن قوات مصر المسلحة تصبح فى مرتبة متقدمة عالميا ضمن قائمة أقوى جيوش العالم، وتحتل المرتبة العاشرة، متصدية ومتخطية كل المحاولات التى بذلت من جانب أطراف مختلفة ومتعددة لهدم الجيش المصرى، وضرب ثقة المصريين به، لكن بإرادة المصريين وبقوة رئيس مصر ومن خلفه القوات المسلحة، استطاع جيش مصر قبول التحدى، وتوجيه ضربة قاصمة لكل مَن خطط لهدمه.
مَن كان يصدق أن كل هذا حدث ويحدث غيره الكثير؟.. بالطبع كثيرون لم يكن ليصدقوا ومعهم كامل العذر، لأن خريطة 2013 كانت شديدة السواد، وأى نظرة إليها كفيلة بالقول إن أمام هذه الأمة عشرات السنوات لكى تنهض مجددا، خاصة أنه لم يكن بانتظارنا مشروع «مارشال» ينقذنا كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع القارة الأوروبية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
استعاض المصريون مشروع المارشال الأمريكى بمشروع مصرى خالص اسمه «مشروع السيسى للجمهورية الجديدة»، فالحق يقال إنه لولا وجود هذا الرجل فى هذا التوقيت وبهذه الإرادة القوية المتينة ما تحقق لمصر ما هى عليه الآن.
منذ اللحظة الأولى لوصول الرئيس إلى قصر الاتحادية وضع أمامه مجموعة من الأهداف عمل على تحقيقها، أهمها إعادة بناء الدولة المصرية من خلال الوثوق فى قدرة المصريين على التحدى، وكان مشروع قناة السويس الجديدة الذى افتتح فى السادس من أغسطس 2015 أول إعلان للعالم بأن مصر لم تعد تلك الدولة التى كان يرونها فى 2013 وما قبلها، بل إنهم مقبلون على دولة جديدة، لديها القدرة والإرادة على البناء بسواعد وعقول مصرية.
التغيير الذى حدث فى مصر كانت له تداعياته الإقليمية، فالدولة المصرية لم تعد منكفئة على نفسها داخليا، بل بدأت فى التواصل الخارجي، طارحة نموذج التنمية الداخلى ليكون نموذجا يمكن أن تحتذى به دول أخرى، إذا أرادت ذلك، وبدأت يد الخير والتنمية والسلام المصرية تتخطى الحدود المصرية، بحثا عن منطقة أكثر أمنا واستقرارا، وهو ما نلمس تأثيراته اليوم فى ليبيا والسودان وسوريا ومنطقة شرق المتوسط وأفريقيا ودول أخرى كثيرة تنظر لمصر كونها النموذج الذى يجب أن يحتذى به فى قبول التحدى وعدم الاستسلام للأمر الواقع