(كتبت منة عرفه)
(منزلة الأبطال)
والبعض الآخر ممن يعرفونها جيداً ولكن لا يعرفون ما هو تاريخها منذ بدايتها؟
إذًا فهيا معي لتعرفوا ما هي مدينة المنزلة وما هو تاريخها ؟
مدينة المنزلة هي إحدى المراكز التابعة لمحافظة الدقهلية، وتقع في الشمال الشرقي لجمهورية مصر العربية.
وهي من أهم المدن القديمة والتي كانت تسمى سلفاً بوقت الفتح الإسلامي (منجيولي)، ثم مدينة(تنيس)ذلك الاسم الهيروغليفي والذي يعني صناعة الحرير، حيث كانت تشتهر بصناعة الحرير الطبيعي والذي كان يصنع منه كسوة الكعبة.
ثم سُميت بعد ذلك بمدينة (المنزلة) وكما ذُكر ببعض المصادر التاريخية أن السبب وراء تسميتها كتاب (عمرو بن العاص) الذي رد فيه على رسالة (القعقاع بن عمرو التميمي) والذي أخبره فيه (بارك الله في منزلتك يا قعقاع) بعد أن قام بفتح إحدى حصون الرومان.
وكانت تعرف أيضاً بمنزلة حسون نسباً للأمير (محمد الشوربجي)والذي كان يعرف باسم (محمد بن حسون.)
والمنزلة عبارة عن بيئة تجمع بين سمات الريف والحضر، وبها بحيرة معروفة ومشهورة تسمى(بحيرة المنزلة) وتتميز بحيرة المنزلة بانتشار مجموعة من الجزر أهمها جزيرة (ابن سلام) التي تضم ضريح الصحابي (عبدالله ابن سلام)، وتتميز أيضاً بغناها الواسع في الثروة السمكية، والحيوانية، والطيور المهاجرة إليها من مختلف الأنواع .
وكان لمدينة المنزلة شأن وخطر لما امتد في أنحائها من أسباب الثورة، ولظهور جماعة من زعماء الأهالي يحرضون الناس على مقاومة الفرنسيين.
وقد برز من بينهم في تقارير القادة الفرنسيين اسم (حسن طوبار) شيخ بلدة المنزلة كزعيم للمحرضين وخصم عنيد لا يُستهان به، ومُدبر لحركات المقاومة في هذه الجهات، والذي تسبب في متاعب وهزائم كثيرة للفرنسيين .
وكتب المسيو (ريبو) أحد أهم الكُتاب السياسيين بفرنسا، يصف سكان هذه الجهات بقوله “إن مديرية المنصورة التي كانت مسرحاً للاضطرابات، تتصل ببحيرة المنزلة، وهي بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة، والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذو نخوة، ولهم جلد وصبر، وهم اشد بأساً وقوة من سائر المصريين”.
فبالطبع قد سمعنا جيمعاً عن الحملة الفرنسية التي قادها (نابليون بونابرت) والتي قد بدأت في”١يوليو سنة 1798، حتى رحلت في 2 سبتمبر سنة 1801″.
(أي قضت في مصر ثلاث سنوات، وشهرين، ويوم.)
وخلال تلك الفترة التي تواجدت فيها الحملة حتى اضنت الأهالي وروت الأرض بدماء الكثير منهم، اهتم نابليون بونابرت بإخضاع بلاد البحر الصغير(بحر أشمون)، الكائنة بين المنصورة وبحيرة المنزلة، وذلك لهدف تأمين المواصلات بين دمياط والمنصورة والصالحية وبلبيس، حيث يتمكن من نقل جنوده والمدفعية لهذه الجهات، لتأمين احتلال حدود مصر الشرقية.
فأرسل نابليون إلى الجنرال (دوجا) بعدة رسائل تنص على اهتمامه البالغ بهذا القطاع، ثم عينه قائداً عاماً للحملة، لينفذ ذلك الغرض الجنرال (دستنج) والجنرال (داماس) في قوة من الجنود الفرنسية، ليعهد إلى الجنرال دستنج معاقبة بلدتي (منية محلة دمنه)و(القباب الكبرى) الواقعتان على بحر أشمون، حيث جاهر أهلهما بالعصيان والإمتناع عن دفع الضرائب والغرامات التي فُرضت عليهم، وكأن هناك من بث روح القوة بداخلهم.
وعهد إلى الجنرال داماس أن يحتل بحيرة المنزلة وإخضاعها.
فقام (الأمير مصطفى) بحركة العصيان في منية محلة دمنه، وقام (علي العديسي) بحركة العصيان في القباب الكبرى.
ليتبين للفرنسيين بعد ذلك أن الداعم والمحرض الرئيسي لهم هو الشيخ (حسن طوبار) شيخ إقليم المنزلة، والزعيم الشعبي لها، وشيخ العرب كما لقبه الفرنسيون أنفسهم.
حيث كان الشيخ حسن طوبار يذهب بنفسه إلى البلاد والقرى يحرّض أهلها على الحرب، ويطمئن على وسائل الدفاع لديهم، وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في بحيرة المنزلة، وأوشك على إخراجهم من دمياط.
وفي يوم 16 ديسمبر سنة 1798، بأوامر من نابليون وقيادة عامه للجنرال دوجا بدأت تتحرك الحملة على البحر الصغير، ليقوم الجنرال فيال قومندان مديرية دمياط، بإرسال رسالة إلى الجنرال داماس تنص على: “أمره بمساعدة الجنرال دستنج في معاقبة بلدتي منية محلة دمنه و القباب الكبرى، وثانياً إخضاع.”
ورسالة أخرى جاء فيها:” ان الجنرال فيال منزعج من مقاصد الشيخ حسن طوبار شيخ بلد المنزلة، ومن حشده عدداً كبيراً من المراكب في المطرية، فإذا كان هذا صحيحاً فمن الواجب أسر الشيخ حسن طوبار وتحطيم أسطوله.”
وتنفيذاً لهذه التعليمات تحرك الجنرال داماس على رأس الجنود الفرنسية من المنصورة متوجه للمنزلة ومعه ثلاث مائة جندي بسلاحهم وذخيرتهم، وفي طريقه وعند (الجمالية) قابلتهم مقاومة عنيفة من الأهالي في معركة ذات شأن وخطر، وبعد قتال استمر أربعة ساعات، انسحب الجنرال داماس بقواته لما رأى انه لا يمكنه الثبات ولا متابعة السير في بحر أشمون، فأضرم النيران في الجمالية وعاد ادراجه إلى المنصورة يوم 21 سبتمبر ومعه جرحاه وقتلاه.
واتضح لهم بعد ذلك أن الشيخ حسن طوبار هو السبب وراء مقاومة الأهالي وهزيمة الفرنسيين. كما ذكر الجنرال (لوجيه) القائد الأعلى للحملة في يومياته.
وقال المؤرخ عبدالرحمن الرافعي: “إن الحملة الأولى على البحر الصغير لم توفق في إتمام مهمتها، وبقى حسن طوبار قوياً شامخاً يثير البلاد ويستفز الأهالي من أجل المقاومة، ليخشاه الفرنسيون ويحسبون له حساباً كبيراً ويسعون بمختلف الوسائل لاجتذابه في صفوفهم، فحاول نابليون استمالت حسن طوبار فأرسل الجنرال (فيال) الذي عُين حاكماً علي دمياط ومعه هدايا له ومنها سيفاً مُذهباً، ولكنه رفض لقاء الجنرال فيال وقابل ذلك بالسخرية الشديدة وقال إنه لا يريد أن يرى أحداً من الفرنسيين.”
وامتنع المناضل حسن طوبار عن هدايا نابليون الثمينة، معلناً لنا بهذا الفعل عن كم وفائه وإخلاصه لبلاده، بل أنه أيقونة للوفاء والإخلاص.
فأدرك نابليون أن طوبار لن يخضع إلا بالحرب، خاصة بعد أن نجح في مقاومة الفرنسيين في دمياط، وبعد أن رفض أن يلتقي بالفرنسيين في أي مفاوضات، حيث رفض مقابلة الجنرال داماس ودعوة الجنرال دوجا للصلح.
ونتيجة لحرج مركز الفرنسيين في دمياط تحت نفوذ حسن طوبار ومقاومة الأهالي المستميتة، اضطر نابليون إلى إرسال الجنرال أندريوس ليعاون الجنرال فيال في توطيد سلطان الفرنسيين في تلك الجهات، وتقدم الفرنسيون في يوم 20 سبتمبر للاستيلاء على (قرية الشعراء)، وبالرغم من استيلاء الفرنسيين عليها فإن الثورة تفاقمت في البلاد الواقعة بين المنصورة ودمياط، وتعددت حوادث مهاجمة الثوار للسفن الفرنسية المقلة للجنود في النيل، مما دفع الفرنسيين إلى التنكيل بالبلاد التي هاجمت السفن كما حدث في(ميت الخولي) حيث اعتدوا على الأهالي، واستولوا على ما بها من مواشٍ وطيور وحلي.
وتلك أحداث الحملة الأولى والتي بائت بفشل الفرنسيين وعدم قدرتهم في الإستيلاء على مدينة المنزلة، بتكاتف الأهالي معاً، ولقوة زعيمهم الذي لم يبخل في مدهم من أمواله الطائلة، وتحفيزهم وتقويتهم نفسياً.
أما الحملة الثانية: فأمر نابليون بتجهيز حملتين كبيرتين إحداهما برية والأخرى بحرية لمهاجمة حسن طوبار، تحت إشراف الجنرال دوجا قائداً عاماً.
فبدأ الجنرال دوجا في تنفيذ الخطط العسكرية المكلف بها فعهد إلى الجنرال أندريوس أن يذهب إلى المنزلة عن طريق البحيرة كما عهد إلى الجنرال داماس أن يسير إليها بالبر، وبذلك تطبق القوتان على المدينة من البر والبحر.
غير أن الجنرال أندريوس لما وصل إلى دمياط وجد مركز الفرنسيين مزعزعاً وتعذر عليه أن يرتاد بحيرة المنزلة.
فكتب الجنرال أندريوس إلى نابليون يخبره:” انه لا سبيل إلى تسلط الفرنسيين على بحيرة المنزلة، إلا بعد سحق حسن طوبار والقضاء على قوته الكبيرة، وانه بالاستيلاء على مدينة المنزلة التي يسكنها تصبح مركزاً حربياً للحركات العسكرية في البحيرة.”
أرسل نابليون المدد المطلوب إلى الجنرال دوجا حتى يقوم بحملة عسكرية قوية على المنزلة، وأرسل كتيبة أخرى إلى الجنرال أندريوس للاستيلاء على جميع الجزر الواقعة في بحيرة المنزلة.
كما أنه شدد عليه في رسالته: “بأن يأخذ حسن طوبار ولو بالخديعة، وان يرسله إلى القاهرة، وأوصاه بالقسوة على الثائرين واخضاع البلاد الكائنة بين المنصورة ودمياط اخضاعاً تاماً ووصاه بتجريد القرى من السلاح وقطع الرؤوس واخذ الرهائن.”
ثم التقى الجنرال أندريوس في دمياط بالجنرال دوجا الذي جاءه من المنصورة وتوجهوا بقوتيهما إلى المنزلة وجهاتها. واستطاعت هذه الحملة القوية وبعد جهدٍ جهيد أن تدخل المنزلة واحتلتها في يوم ٦ أكتوبر 1798.
ليقضى احتلال المنزلة والمطرية على قوة المقاومة التي كان يديرها حسن طوبار، فلم يجد أمامه سوى الهجرة إلى غزة، وبذلك انتهت تلك الحركة الواسعة المدى التي أقلقت بال الفرنسيين زمناً، وطويت صحيفة مقاومة ذلك الرجل الذي أزعج قواد الجيش الفرنسي وتردد اسمه في تقاريرهم ورسائلهم وورد اسمه مرات عديدة في رسائل نابليون نفسه كعنوان للمقاومة الأهلية القوية.
وقد ظل حسن طوبار بعد هجرته إلى غزة مصدر قلق للفرنسيين وخشوا أن يفكر في العودة إلى شواطئ دمياط وبحيرة المنزلة ويستأنف مقاومته، فقد جائتهم أنباء بأنه يعد فعلاً قوة من المشاة في غزة وعزم على نقلها في خمسون سفينة يحتل بها دمياط، ولكن لم يتحقق شئ من هذا العزم، وبالرغم ان الظروف لم تمكن طوبار من إتمام هذه الحملة، فإن رعب الفرنسيين منه جعل نابليون بعد انتهاء الحملة الفرنسية على سوريا يسمح له بالعودة إلى مصر، ليأمن هجومه على دمياط وتحريضه لأهل بلده على الثورة، ولم يأذن نابليون بعودة حسن طوبار إلى مصر إلا بشرط أن يبقى ولده كرهينة عنده في القاهرة، ويعود حسن طوبار إلى دمياط مع التزامه بالهدوء في منطقته.
وفي يوم 29 يونيه عام 1800، رحل القائد والزعيم والمجاهد حسن طوبار، واحتفت بوفاته صحف فرنسا لتنشر جريدة كورييه دليجبت الجريدة شبه الرسمية للحملة الفرنسية نبأ وفاته في العدد خمسة وسبعون الصادر بتاريخ 28 يوليو عام 1800 ، وكتبت عنه ما خلاصته: “في 29يونيه مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ إقليم المنزلة مصاباً بالسكتة القلبية، وكان هذا الرجل عظيم المكانة لأصله العريق وغناه الواسع، وقد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا، وأذن له الجنرال بونابرت في الرجوع إلى مصر، فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون، وقد خلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار.”
وبالرغم من رحيل هذا البطل المغوار الذي قد تسبب في الرعب للفرنسيين، إلى أنه لازال يذكره الكبير والصغير ويتباهى به أهل مدينة المنزلة.
ولكن ترى كيف ستكون آثار هذا المناضل الباسل؟
وقصره المشيد بالمنزلة، هل مازال موجود؟
هل اهتمت قصور الثقافة بآثار حسن طوبار وحافظة عليها من الاندثار؟
بالطبع ( لا )!
ففي عام 1962 قام الرئيس عبد الناصر بعد زيارته لمدينة بورسعيد والاحتفال معهم في أعياد النصر بالتوجه إلى المنزلة وسط استقبال حافل من الأهالي والقيادات.
ثم قام بزيارة مقبرة المجاهد حسن طوبار واستقبلته بها عائلته، ثم قرأ له الفاتحة وقام بوضع إكليل من الزهور فوقها، وتوجه بعد ذلك الي منضدة عليها سيف قديم من سيوف طوبار مرصع ببعض من الأحجار الكريمة، وبندقية خرطوش كان يستخدمها في الحرب ضد الفرنسيين، ومصحف مكتوب بخط اليد، وكتاب بالفرنسية كتبه أحد مؤرخي الحملة الفرنسية عن الزعيم حسن طوبار، ليسلم تلك المقتنيات إلى كبير اليارون (المسؤول عن شئون الرئيس.)
وصدر القرار الجمهوري لسنة 1962 بشأن اعتبار قصر المجاهد حسن طوبار من الآثار، وصدر قرار رئيس المجلس التنفيذي لسنة 1963 باعتبار مشروع تحويل منزل المجاهد حسن طوبار إلى متحف قومي بمدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية من اعمال المنافع العامة، وتسلمته هيئة الآثار وتم تعيين حرس علي المكان لحين تنفيذ ما أمر به الرئيس، ولكن بعد وفاة الرئيس عبد الناصر اختفي الحراس وتركوا المكان ليصبح أطلالاً، ونهب اللصوص كل ما هو غالِ وثمين، ولم يُنفذ مشروع المتحف، وبالرغم من وجود قرار جمهوري باعتباره متحفاً من قائمة متاحف مصر، إلا انه تم هدم القصر وتقسيم أرضه بين وزارة التربية والتعليم وجهات اخري، وتحول معظمه إلي مجمع مدارس ولم يبقَ من تراث حسن طوبار إلا مكتبة بإسمه على أرضه، وقبره المتهدم الذي تحيط به القمامة.
لتكن تلك نهاية أول مليونير مصري تصدى للفرنسيين بشجاعة وحاربهم بضراوة دون أن يهابهم أو أن تغريه هداياهم.
ولكن يكفينا ذكرياته المُخلدة بداخلنا، قبل أن تكون مخلدة في التاريخ أو في الأرض.
#أبطال_المنزلة
#منة_الهلالي