-حين يُقطع آخر خيوط الغسق، ويُغزل ستارُ الدُچى، ويُزَين بالنجوم، تَرنو نسمات الهواء من نافذتك، فتُأخذ وشاحك هربًا، تقتربين لتري أيّ النسمات هو السارق، فتجدينني أقفُ أسفل نافذتك، ممسكٌ بوشاحكِ بين أناملي، أتشمم رائحتكِ المُعلقة به، يُدرك القمر خجلك، وتلمع النجوم حين ترى حُمرة خديْكِ، أُشيرُ لكِ بالنزول، تتوترين لدقيقة، ثم تدلفين عبر باب منزلكِ، تمشين على استحياء نحوي وتُزيْنكِ كُلُّ الفتنة، خُصلاتك القصيرة، وغرتكِ المرتصة، قوامك الممتلئ المثالي، كل شيء فيّ يصرخ بـهيامي بكِ، أضعُ وشاحك على رأسكِ وكتفيكِ، خشية أن تطالك بعض النسمات، ولكنني أتمنى أن تطالكِ، فتبردين، ولا تجدين مدفئ إلا بين أحضاني، نمشي في صمت، تتجاذب أيادينا وتتنافر خشية أن يكونُ القمرُ واشيًا، وينقلُ سر الغرامِ بين الأجرام، تتشابك أصابعنا، وأسترقُ نظرةً إلى عينيك، أجدها تضيق، فأرى ابتسامة على ثغركِ من وراء الوشاح، نفترشُ أرضًا، بقرب بُحيرةٍ هادئة، تتراقص فيها المياة، وحفيف الأشجار من حولنا كـ الألحان، يتوقف الكون عن التنفس، حينما تنطقين، يتوقف الحفيف، ويهبط الطير، وحينما يخرج منكِ أول صوت، تنتفض الحياة وكأنها ولدت من جديد، تتحدثين، مُطولًا، وأنا أستمع، تضحكين، تبكين، تلومين الأيام وتمدحين الأشواق، وما هي فاعلة بقلب مُحب، أصفنُ فيكِ، ولا أجد ما أنشغل به عنكِ، كل ما حولي يصرخ باسمكِ، تتنهدين، ثم تقولين: وتستمر الحياة، ثم نسقط معًا، على الخُضرة، وكأي من يلمسكِ، تُنبت وُرودًا، تعدين النجوم، وأنا مازلتُ عالقًا في نجومك، أنصتُ إلى أنفاسكِ، كأن النسيم يُداعب رئتيكِ، تقتربين من البُحيرة، تُنزلين يديْكِ، تحملين بضع قطرات من المياة، وتنفضين يديْكِ في وجهي، أضحكُ، وآتيكِ، نستمر في اللعب في المياه، حتى تتبلل حرائركِ وقميصي، نخرج من المياه، ونمضي معًا، حتى باب منزلكِ، تنزعين وشاحكِ، وتضعينه حول رقبتي، تركضين إلى منزلكِ، والنسيم يلفح حرائركِ المبللة، أجلسُ مُجددًا، أمام نافذتكِ، وأسندُ رأسي إلى الجدار خلفي، واتذكر كل لحظة، كل لمسة وهمسة، جَمَلت ليلتنا، أقفُ لأمضي، وأعرف بأنني تركتُ قلبي أمام عتبة بابكِ، وما مضى إلا جسدي..
(جنى فاروق.) .