بدأت الحكومة الصينية في اتخاذ إجراءات عملية للتدريب الدعائي لمواطنيها، استعداداً لصراع عسكري مع الدول الأنغلوساكسونية.
تصدّر الفيلم الصيني “معركة بحيرة تشانغجين” (2021) مبيعات شباك التذاكر العالمية، ويتناول الفيلم نجاح القوات الصينية خلال الحرب الكورية (1950-1953) في طرد قوات التحالف المكون من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا حتى خط عرض 38 درجة شمال. بالمناسبة، فإن تطابق ذلك مع الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين نفس الدول الثلاث AUKUS، سبتمبر الماضي، لم يكن من قبيل الصدفة، حيث تستعد واشنطن هي الأخرى من جانبها للعدوان بإيقاع مضطرد.
كان معظم جمهور الفيلم من المواطنين الصينيين، حيث حظي بشعبية جارفة. كما لم تبخل بيكين في إنتاج الفيلم، واستثمرت 200 مليون دولار في إنتاجه، وصنعت بذلك فيلم “أكشن” جيد، على الرغم من بعض الهفوات في المؤثرات البصرية المصنوعة بواسطة الحاسب الآلي، والتي بدت مصطنعة بعض الشيء. إلا أن الفيلم يتضمن ما يكفي من الأيديولوجية، وتجسيد القيادة الأمريكية على شكل أشرار إمبرياليين متعالين وساخرين، وفي نفس الوقت يؤكد الفيلم على حق الصينيين في تايوان.
تعلّمنا في الكتب المدرسية العسكرية أن معظم الحروب يسبقها ما يسمى بـ “فترة التهديد”، حيث تحاول الحكومات من الجانبين، إعداد شعوبها باستخدام دعاية مكثفة، لشيطنة العدو وتجريده من إنسانيته، لإثبات أن العدو شر مطلق للسكان، وما يستحقونه من معاملة آدمية تليق بهم. وقد حقق هذا التعريف معناه المطلق في الدعاية النازية لهتلر، وما رأيناه مؤخراً في الهستيريا المعادية لروسيا في الولايات المتحدة الأمريكية في إطار “رشا غيت”. فواشنطن تفعل الشيء نفسه ضد الصين وروسيا، وتخلق “تحالف الديمقراطيات ضد الاستبداد”، و”ملوثي البيئة”. على أي حال، فإن جميع الحكومات، التي ترغب في ضمان دعم السكان لإجراءاتهم العسكرية، تلجأ إلى هذه الأساليب بدرجات متفاوتة.
وحتى وقت قريب، استندت تكتيكات كل من روسيا والصين إلى السلوك الأكثر انضباطاً، وهو رفض الرد على أي استفزازات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالسمعة. على سبيل المثال، لم يردّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على الضربات الصاروخية التي شنّها دونالد ترامب في سوريا (يجب القول بإن ترامب بذل جهداً حتى لا يصاب أي من الروس بالأذى جراء هذه الضربات، وقام بتحذيرهم مسبقاً بشأنها). كذلك، فربما لا يعرف القارئ العربي أي معلومات عن الاستفزازات الأوكرانية اليومية ضد روسيا، لكنها كثيرة وخطيرة، ما بين مصادرة ممتلكات الشركات الروسية في أوكرانيا، مروراً بالهجمات الإرهابية على البنى التحتية في القرم، وانتهاءً بقتل حرس الحدود الروس، واختطاف المواطنين الروس من قبل مجموعات القوات الخاصة الأوكرانية على الأراضي الروسية. الصين هي الأخرى أبدت، في الفترة الماضية، ثباتاً وصبراً على هجمات واستفزازات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وتركتها دون أي ردٍ ذات مغزى، ويكفي أن نذكر التعريفات الجمركية ضد الصين من قبل دونالد ترامب.
انطلقت روسيا والصين طوال الوقت من مبدأ أن الولايات المتحدة الأمريكية تنزلق بسرعة نحو الانهيار من الداخل، حيث يمر الاقتصاد الغربي بأزمة لا مخرج منها. وفي السنوات المقبلة، سينهار هرم الدين العالمي، وسيفقد الدولار مكانته كعملة احتياطية للعالم. في الولايات المتحدة، بالتزامن، دفعت العمليات الديموغرافية والسياسية الأمة الأمريكية إلى حافة الحرب الأهلية، وهو أمر لا مفر منه تماماً، عندما يتدهور مستوى معيشة المواطن الأمريكي إلى حد كارثي بعد الانخفاض الحتمي والمريع للاقتصاد، الذي ذكرناه آنفاً.
كل ما تحتاجه روسيا والصين للانتصار هو عدم التهور والاندفاع والانجرار نحو صراع عسكري مع الغرب، الذي لا يزال متفوقاً عليهما عسكرياً. اهتداءً بالحكمة الصينية الشهيرة: “عليك بالصبر. فذات يوم، سوف يجيء التيار حاملاً معه جثة عدوّك”. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، الوضع هو عكس ذلك، فالفرصة الوحيدة لبقائها على قيد الحياة، وإن كانت فرصة ضئيلة، هي الانتصار العسكري على أكبر المنافسين، بينما ينفد الوقت، إن لم يكن قد انتهى بالفعل.
ومع ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية تتفهم ذلك أيضاً، ولهذا السبب تواصل أوكرانيا استفزازاتها المتكررة، سعياً لإشعال شرارة صراع عسكري في الدونباس، بينما تحاول الولايات المتحدة إثارة صراع مع الصين حول تايوان.
لكننا نرى هذا العام تغييراً في سلوك روسيا، حيث ردت، في أبريل الماضي، على تمركز القوات الأوكرانية استعداداً للاعتداء على الدونباس، على خلفية قيام قوات الناتو بتدريبات برية وبحرية في منطقة البحر الأسود، بالقرب من شبه جزيرة القرم الروسية، نشرت روسيا قواتها على حدودها الغربية، ما أعطى رسالة واضحة لا لبس فيها باستعداد روسيا لسحق أوكرانيا، ومعها جميع وكلاء الولايات المتحدة الأمريكية، أعضاء الناتو من دول أوروبا الشرقية، حال نشوب صراع، تشارك فيه هذه الدول التي يجرّها السيد الغربي “وقوداً للحرب” التي يريد إشعالها.
وبعد هجوم جورجيا على قوات حفظ السلام الروسية وجمهورية أوسيتيا الجنوبية في أغسطس 2008، فيما سمي بحرب 08.08.08، قامت موسكو بإصلاحات عسكرية واسعة النطاق، تضمنت إعادة للتسليح، ما ضاعف من قوة الجيش الروسي بعدة مرات. وهو ما أسفر عن نتيجة أن مجموعة صغيرة من المستشارين الروس، وعشرات الطائرات المقاتلة الروسية، كانت كافية لقلب موازين القتال في سوريا.
تشعر موسكو بالثقة في قدرتها على ضمان النصر في أي صراع عسكري محلي بالقرب من حدودها، بينما من غير المرجح أن تنزلق واشنطن وموسكو إلى حرب إبادة نووية متبادلة.
من الصعب الحكم على ما يدور في أذهان القيادة الصينية، وما إذا كانت الصين واثقة من انتصارها في الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حول تايوان، أم أنها ببساطة تعتقد أن الحرب شر لا مفر منه، بغض النظر عن استعدادها لها.
إلا أنني مع ذلك أرى الآن دلائل واضحة على الاستعدادات للحرب في السنوات القليلة المقبلة من جانب الصين. ولم يبقى سوى أن ننتظر لرؤية أي طريق للموت سوف تختاره الولايات المتحدة الأمريكية.