بقلم/ منة عرفة الهلالي
الوطن هو؛ الجبين الذي نعيش عليه منذ ولادتنا حتى الممات، ثم هو الرحم الذي سيحمينا بداخله من الممات حتى قيام الساعة، دفء أحضان الأمهات، مهد الأحلام والأمنيات.
الوطن ليس كلمة؛ بل إحساس، إحساس نابع من الفطرة كحب الأم لوليدها. حب قابع في قلوبنا وكأننا تغذينا منه منذ أن كنا بداخل أحشاء أمهاتنا.
حب الوطن ليس مجرد كلمة تقال؛ إنما هي أفعال مطلية بذلك الحب، والأفعال هي العمل الدؤوب من أجل رفعة ورقي الوطن.
ويتجسد هذا الحب في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند هجرته من مكة إلى المدينة، حيث قال: “ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ.”
أي أن كل مرء فطري نقي؛ يرىٰ وطنه أجمل الأوطان، حتى وإن سافر إلى أجمل وأروع البلدان في العالم؛ لن يشعر بالاستقرار والارتياح سوىٰ بوطنه فقط، ولن تسري السعادة إلى قلبه سوىٰ بتواجده على أرضه الذي ترعرع في روابيها.
فالوطن هو البوصلة التي لا يعرف المواطن سواها، مهما ابتعد واغترب؛ ستهديه هذه البوصلة وتعيده إلى أراضيه، ليستقر ويستكين أسفل جناحي الوطن.
الوطن هو الحاضر دائمًا وقت دعائنا الذي يحصنه بالأمن والخير والسلام، كما دعا سيدنا إبراهيم- عليه السلام- لمكة المكرمة، في قول الله تعالىٰ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} صدق الله العظيم.
وكما حب الوطن أمرٌ فطري؛ فالاعتزاز به أمرٌ فطري أيضًا. والاعتزاز هو؛ الافتخار بالوطن، وذلك لا يكون بالكلام التعبيري الذي لا روح فيه؛ بل بالأفعال الملموسة ذات التأثير.
• كأن يفتخر المواطن بإنجازات وطنه، ويساعد في الحفاظ عليها، ويساهم في المزيد منها.
• يعتز ويفتخر بلغته التي هي رمزًا لوطنه.
• تحية علمه، والذي هو رمزًا لوطنه أيضًا.
• يلتزم بالقوانين التي تضعها الدولة وعدم الاستهتار بها.
• يعتز المواطن بجنسيته ولا يفرط فيها مهما كانت المغريات.
• يعمل بجِد واجتهاد من أجل رِفعة ورُقي البلد.
• يحافظ على موارد الوطن؛ فلا يهدرها بلا سبب.
• يكون نموذجًا في الإخلاص والوفاء لوطنه، سواء كان طالبًا، أم معلمًا، أم مسؤولًا، حتى ربة المنزل.
• يساهم في الأعمال التطوعية في الدولة.
• بث روح المواطنة بداخل براعم وطلائع الشعب ( صغار الشعب.)
• التعاون المتبادل بين أفراد المجتمع، وأن يكونوا جميعًا على قلبِ رجلٍ واحد.
• الحفاظ على أمن وأمان الدولة؛ ككف الأذى عن الآخرين.
• الاستعداد للتضحية بالأموال والأرواح في سبيل الدفاع عن الوطن.
• الاهتمام بالاطلاع على قضايا الدولة المهمة ذات التأثير.
• عدم التهرب من تأدية الخدمة العسكرية؛ بل يجب على كل راعٍ تشجيع وتحفيز أولاده من أجل خدمة الوطن.
• الغيرة والمحافظة على سُمعة الوطن، ورفع راياته عالية خفاقة بين الأمم؛ فيجب شحن الحماس والنشاط والهِمم.
ومن هنا فإن الاعتزاز بالوطن ليس بالكلام فقط، وإنما بالأفعال التي تثبت انتمائنا إليه.
والانتماء إلى الوطن؛ أي الانتساب إليه؛ كانتساب الطفل إلى والده.
إن الانتماء للوطن؛ يساعد في بث روح التعاون والحب والاخاء بين أفراد المجتمع، بل والوطن ككل، ويحد من المشاكل والنزاعات المتسببة في خلق العداوة والفرقة.
الانتماء أيضًا يعني؛ الحقوق والواجبات.
فإن الوطن يقدم لنا المأوى، والرعاية بكل أنواعها، كما يوفر لنا المدارس والجامعات من أجل نشر العلم والوعي بين الناس، والأهم أنه يهب المواطن هويته، ويوفر له العيش في سلام وأمان؛ عن طريق اختيار الشعب للقادة التي توفر له كل ذلك، وهذا ما يوضح أهمية المشاركة في الانتخابات.
إذًا فكما يكفل الوطن حقوق المواطن؛ فيجب أن يعطي المواطن للوطن كامل واجباته، والتي لا تفي الوطن حقه، كما لا يفي الابن تعب والديه عليه.
ويُعد أقل شيء يقدمه المواطن إلى وطنه هو؛ الإخلاص والوفاء، فلا يخون وطنه وإن بتر عنقه.
ويكمن الإخلاص والوفاء للوطن في الخوف عليه، والحفاظ على كل شبر من أراضيه والتي هي عرض وشرف كل مواطن.
كما يجب على أولياء الأمور من آباء وأمهات تعزيز قيمة الانتماء للوطن لدىٰ أبنائهم، وكذا المدارس والمؤسسات؛ أن يبذلوا قصارى جهدهم في تنمية وتعزيز قيمة الانتماء للوطن لدىٰ الطلاب أو العاملين.
وذلك عن طريق عدة أشياء، مثل:
• ذِكر أمثلة من مناضلين الوطن، وما قدموه من أعمال من أجل حرية وسلامة وأمان الوطن، وأهمية الاقتداء بهم.
• إظهار قداسة الوطن؛ من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
• تعزيز الثقافة العربية والوطنية لدى الأجيال الصاعدة، والحرص على عدم تأثرهم بثقافة الغرب، وذلك أيضًا من خلال الاهتمام بالجانب الديني.
• الحرص على معرفة الأجيال الصاعدة لتاريخ وحضارة وطنهم.
• الحرص على توفيرِ وقتٍ يتواجد فيه الطلاب بالمكتبة، وتوفير الكتب التاريخية لهم.
وفي الختام لأننا مهما تحدثنا لن تكفينا السطور، ولن تسعنا الصفحات؛ يجب علينا التحلي بالشجاعة، والإيثار، والتضحية.
وأن نتذكر قول الله تعالى:{ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها}
صدق الله العظيم.
#منة_الهلالي
#مبادرة_إبداع_المواهب