قصر الحمراء
منذ نحو 800 عام، مثل قصر الحمراء معلما بارزا في مدينة غرناطة الإسبانية وأحد جواهر العمارة الإسلامية في القرن الثاني عشر.
ورغم أعمال الترميم، يبدو أن ألوانه تتغير، حيث ظهرت سلسلة من البقع الأرجوانية الغامضة على الجبس الذي يغطي الأقبية المزخرفة في القصر المعروفة بالمقرنصات (وهي من عناصر العمارة الإسلامية المميزة)، منذ التسعينيات، وحيرت الخبراء.
ومن الداخل، في القاعات المذهبة في قصر الحمراء، تتغير الألوان ببطء. وبعد قرون من التجوية الطبيعية، تتحول أجزاء من الأجنحة الذهبية للقصر والجدران المزخرفة المطلية باللون الأبيض إلى اللون الأرجواني الباهت غير المتجانس، وهو ما يعتقد العلماء أنه بات بإمكنهم تفسيره أخيرا.
فقد أوضحت عالمة المعادن في جامعة غرناطة كارولينا كارديل، وأخصائية الفحص المجهري إيزابيل غيرا، في ورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة Science Advances، أنهما بعد التحقيق في هذه الظاهرة لسنوات عدة، اكتشفتا أخيرا أن تغير ألوان المقرنصات هو نتاج تآكل صفائح الذهب الرقيقة التي كانت مغطاة بطبقة من الجص الأبيض أثناء أعمال الترميم المنفذة في القرن التاسع عشر.
وتمكنوا من تحديد النمط غير الطبيعي للتآكل الذهبي غير المتجانس، الناجم عن عملية كهروكيميائية يذوب فيها الذهب ويتأكسد، ويكتسب لونا أرجوانيا.
والذهب هو أحد المعادن الأقل تفاعلا، لذا يفترض أن يصمد أمام تقادم الزمن. وهذا المعدن الثمين مقاوم لأشعة الشمس، والرطوبة، وتلوث الهواء، ودرجات الحرارة، وهذا هو السبب في كونه مادة ثمينة لصناعة المجوهرات، والعملات، ومؤخرا الأجهزة الإلكترونية.
وقد استخدم الذهب الناعم والمرن لتزيين القصور والحلي والأسلحة والدروع والأعمال الفنية اعتمادا على تقنية تسمى التذهيب.
وفي حالة قصر الحمراء، كانت البطانة الذهبية الرقيقة المكسوة بألواح من القصدير المرن تزين جدران القصر في الأصل. ولكن بمرور الوقت تحولت الأسطح إلى لون أرجواني غريب، وسرعان ما تمت تغطيتها بطبقة من الجبس الأبيض في القرن التاسع عشر.
اكتشاف تلوث بالزئبق في مدن المايا
وتحول توهج الذهب الدافئ إلى اللون الأرجواني إن هو إلا هو خدعة كيميائية مفهومة منذ العصور القديمة، حيث استخدم الكيميائيون الرومانيون هذه التقنية التي يتم تحفيزها عادة بمزيج من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك، المعروف باسم هيدروكلوريد حمض النيتريك، أو “الماء الملكي”، لتلوين الزجاج منذ القرن الرابع.
ويذيب تفاعل “الماء الملكي” الذهب في جزيئات صغيرة، تبدد – كما اقترح المخترع والعالم مايكل فاراداي في عام 1856 – الضوء إلى الأحمر الياقوتي والبنفسجي والأزرق.
وحتى الآن، لم يكشف عن أي علامات على
وجود هيدروكلوريد حمض النيتريك على جدران قصر الحمراء.
ومن دون “الماء الملكي” في المزيج، كان لابد من عملية كيميائية مختلفة أن تخلق تغيرا في اللون داخل قصر الحمراء.
وقد شرعت كل من كارديل وغيرا في التحقيق باستخدام مجهر إلكتروني ماسح مزود بمجموعة من مقاييس الطيف للكشف عن التركيب الكيميائي لميزات قصر الحمراء المبطنة بالذهب، وصولا إلى مقياس النانو.
وبعد دراسة جدران قصر الحمراء، التي يعود تاريخها إلى قرون، ونمذجة التجوية الكيميائية التي من المحتمل أن تكون قد حدثت، وجدت الباحثتان أن “مجموعة غير متوقعة من العمليات الكهروكيميائية” ربما أدت إلى تظليل الأسطح التالفة باللون الأرجواني.
إسرائيل تعلن عن اكتشاف يعود تاريخه إلى “الفتح الإسلامي”
ووجدت كارديل وغيرا فراغات وشقوقا على شكل فوهة في ورقة الذهب، وهي قنوات يمكن أن تصل الرطوبة من خلالها إلى رقائق القصدير الأساسية وتسبب تآكلها، عندما تكون الجدران خالية من الأوساخ.
ولكن حيث كانت الجدران مغطاة بالسخام، تآكل الذهب بدلا من ذلك. وبعد تجريده من إلكتروناته، تحلل الذهب تدريجيا وتشكلت جزيئات الذهب النانوية تلقائيا بقطر 70 نانومتراً تقريبا، والتي، كما تقول كاردل وغيرا، هي الحجم المناسب لتشتيت الموجات الضوئية ما يجعلها تبدو أرجوانية.
ومع ذلك، لا يقتنع الجميع بأن عملية التآكل هذه أدت إلى تغير اللون، حيث قالت كاثرين لويس، عالمة الكيمياء في مختبر التفاعل السطحي (LRS) في باريس، في حديثها مع APS Physics، إن من المدهش أن تتحول المادة الذهبية إلى اللون الأرجواني بمرور الوقت، لكنها أشارت إلى أن العلماء لم يجروا أي اختبارات تجريبية لمحاولة إعادة إنتاج عملية التآكل المقترحة.
وجادلت كاردل وغويرا في ورقتهما البحثية في أن تكرار خمسة قرون من التجوية الطبيعية في تجارب معملية سيكون أمرا صعبا، ولن يؤدي بالضرورة إلى نتائج مفيدة للغاية.
وكتب الثنائي: “تم إجراء بحثنا على دراسة حالة حقيقية لأكثر من خمسة قرون من التجوية في ظل الظروف الطبيعية، ما يحد من قدرتنا على توضيح نموذج التآكل الدقيق”.