لا تحظى صفحات التاريخ باهتمام متساو وعادل. وأحيانا تبقى أحداث هامة مهملة ولا تنال ما تستحق على الرغم من أهميتها. ومن ذلك معارك بحرية مصيرية بين المصريين والبرتغاليين.
“غرفة مليئة بالمسلمين”.. كابوس زوجة زعيم سحقت قواته على أبواب مصر
الحرب المصرية البرتغالية في القرن السادس عشر أو العكس باعتبار أن المصريين بقيادة المماليك كانوا يدافعون عن مصالح المسلمين قبالة السواحل الهندية، جرت بين عامي 1505 – 1517، وانتهت بخسارة المسلمين لطرق تجارة التوابل التي كانت تحت نفوذهم لزمن طويل.
كانت تلك المعارك البحرية بين مماليك مصر والبرتغال صراعا على المستقبل. البرتغال كانت في ذلك الوقت دولة بحرية قوية بطموح وشهية كبيرتين للاستكشاف والسيطرة على مناطق جديدة في جميع أنحاء العالم وخاصة تلك التي تمر بمحاذاتها طرق التجارة الرئيسة. ودار ذلك الصراع تحديدا من أجل كسر شوكة المسلمين وانتزاع سيطرتهم المطلقة على منافذ المحيط الهندي.
حين وصلت أساطيل البرتغاليين مطلع القرن السادس عشر إلى المحيط الهندي، كان العرب أسياد التجارة هناك ببنية تحتية راسخة لتجارة التوابل منذ القرن الخامس عشر، وكانت موانئهم تنتشر على ساحل شرق إفريقيا وعلى السواحل الهندية ذاتها، وكان أكبرها في “كاليكوت” التي تعرف حاليا باسم “كوزيكود” وتوجد بولاية “كاريلا” الهندية.
الصدام بين البرتغاليين والمصريين:
وصل أسطول برتغالي بقيادة دون بيدرو كابرال إلى كاليكوت في عام 1501، حيث أقام البرتغاليون ميناء لهم ومرافق للتخزين، مقابل وعود بتقديم المساعدة العسكرية لحاكم كاليكوت، زامورزين.
سرعان ما ضاق السكان المحليون بالوافدين الجدد، وانفجر صدام بين الطرفين انتهى بمقتل العشرات من البرتغاليين، وردا على ذلك انتقم “دون بيدرو كابرال” من العرب واستهدف سفنهم التجارية.
الأسطول البرتغالي في رده الانتقامي استولى على 10 سفن تجارية عربية وقتل 600 من بحارتها، كما قام بحملة قصف استهدف خلالها “كاليكوت” ذاتها لمدة أسبوعين.
بعد تلك العمليات العسكرية المدمرة، تراجعت بشكل ملموس تجارة التوابل بين الهند وأوروبا برا عبر مصر وتركيا والبندقية، ما أدى على ارتفاع اسعارها.
كان ذلك الارتفاع في أسعار التوابل في صالح البرتغاليين الذين واصلوا عمليات نقل التوابل عن طريق البحر. وسعيا منهم لفرض هيمنة واحتكار كاملين، بدأ البرتغاليون في الاستيلاء على السفن التجارية العربية وإغراقها في المحيط الهندي.
في ذلك الوقت تمكن البرتغاليون من تقويض سيطرة العرب على تجارة التوابل الهندية ونقلها عبر البحر الأاحمر بشكل شبه كامل.
بأمر من السلطان قانصوه، وهو الملك الأشرف الذي تولى بين عامي 1501 – 1516، شن الأسطول المصري حملة ضد البرتغاليين بمساندة من الإمبراطورية العثمانية والبندقية.
اندلعت الحرب البحرية المصرية البرتغالية، وتمكن أسطول مصري وهندي مشترك في مارس 1508، على الرغم من تفوق البرتغاليين في السلاح، من هزيمة الأسطول البرتغالي في معركة “تشاول” في شمال غرب الهند.
انتهت تلك المعركة البحرية بمقتل لورنس دي ألميدا، ابن نائب الملك البرتغالي في الهند فرانسيسكو دي ألميدا، وجرى أسر العديد من البرتغاليين.
صمم البرتغاليون على الانتقام على تلك الهزيمة المذلة، ونجحوا في ذلك بعد عام من ذلك، حيث هزم الأسطول البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا في 3 فبراير 1509، الأسطول المصري وحلفاءه من إقليمي كاليكوت وغوجارات الهنديين في معركة تسمى “ديو”.
تلك المعركة كانت غير متكافئة بشكل كبير، وجرت بين أسطول لدولة أوروبية يتكون من سفن كبيرة مزودة بمدفعية قوية، في مقابل سفن تجارية عربية خفيفة.
البرتغاليون بعد المعركة استولوا على الرايات العربية، وأرسلوهم إلى لشبونة، وقام الأدميرال فرانسيسكو دي ألميدا، انتقاما لمقتل نجله بإعدام جميع الأسرى.
بعد معركة “ديو”، سقطت أهم طرق التجارة في الشرق الإسلامي في يد البرتغاليين، وأصبحت تحت سيطرة المسيحيين لأول مرة.
خلى الجو للبرتغاليين وأصبحوا يتحركون بحرية كاملة لتحقيق المزيد من التوسع، ما أدى إلى إقامة الهند البرتغالية، وهي مستعمرات تابعة للتاج البرتغالي على طول الساحل الغربي لشبه جزيرة هندوستان.