توترات عدة عاشها العراق واليمن وسوريا ولبنان على مدى الأشهر التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر الماضي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل وما تلاه من حرب في قطاع غزة.
وقد عززت تلك التوترات المخاوف من انتشار رقعة الحرب عبر الشرق الأوسط.
لم تكن الجيوش النظامية لأي من البلدان العربية السابقة طرفا في تلك التوترات، بل ارتبط الأمر بميليشيات وجماعات مسلحة مقربة من إيران صدرت عنها تصريحات تدعم الفلسطينيين في غزة، أو تهدد بمهاجمة أهداف إسرائيلية أو أمريكية للضغط من أجل إنهاء الحرب.
وقد أثارت هذه التطورات تساؤلات حول تفاصيل طبيعة العلاقة بين إيران وتلك الجماعات. فبينما يرى البعض أن طهران فقدت “السيطرة” على تلك الفصائل، يؤكد فريق ثان على أن نفوذ طهران الهائل لدى تلك الفصائل لم يتقلص، في حين يقول فريق ثالث إن تلك الجماعات، رغم الدعم المادي والعسكري الإيراني لها، ورغم ما يجمع الطرفين من مصالح استراتيجية وأيديولوجية مشتركة، تتمتع بقدر من الاستقلالية.
“محور المقاومة”
لطالما كانت إيران لاعبا مهما في المنطقة، ولكن استراتيجياتها تغيرت كثيرا في أعقاب الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979، فقد سعت منذ بداية ثمانينات القرن الماضي إلى تقوية علاقاتها مع جماعات مسلحة في المنطقة، غالبيتها شيعية، وتحالفت مع نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
لكن نفوذ إيران الإقليمي توسع بشكل كبير في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أطاح بعدو إيران اللدود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فضلا عن ارتفاع أسعار النفط بشكل قياسي.
تقول باربرا سلافين، الزميلة المتميزة بمعهد ستيمسون البحثي والتي لها العديد من المؤلفات والأبحاث عن إيران والشرق الأوسط، إن “أهداف إيران دفاعية بالأساس، فهي ترغب في أن يكون لها عمق استراتيجي وأن تدافع عن نظامها ضد التدخل الأجنبي، وأن تكون لها كلمة في القرارات الإقليمية وتمنع أو تقلل أي إجراءات تسير في اتجاه معاكس للمصالح الإيرانية”.
وتضيف سلافين أنه “لتحقيق هذا الهدف، تمارس إيران نفوذها بثلاث طرق رئيسية: من خلال علاقاتها مع رجال الدين الشيعة، وتقديم المساعدات المالية لأغراض إنسانية وسياسية، وتقديم الأسلحة والتدريب للجماعات المسلحة”.
وبات يطلق على التحالف بين إيران والجماعات المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، كحركة حماس وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية وجماعة الحوثيين في اليمن وكذلك نظام الرئيس السوري بشار الأسد، اسم “محور المقاومة”.
علاقة معقدة مع حماس
في الأسابيع التالية لهجوم السابع من أكتوبر، اختلفت آراء الخبراء والمراقبين حول ما إذا كانت إيران على علم مسبق بخطة حماس. صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية زعمت أن المئات من عناصر حماس تلقوا تدريبات خاصة في إيران في الأسابيع القليلة السابقة للهجوم، وأن إيران ساعدت في التخطيط له، وهي مزاعم نفتها طهران التي أكدت أنه لم يكن لها أي دور في ذلك الهجوم. كما أن مصار استخباراتية أمريكية أشارت إلى أن الهجوم فاجأ إيران.
لكن طهران لم تنف تقديم مساعدات عسكرية لحماس. ففي تصريحات لشبكة إن بي سي الإخبارية الأمريكية في الشهر الماضي، قال أمير سعيد إيواني، سفير إيران لدى الأمم المتحدة: “فيما يتعلق بفلسطين، نحن نرسل لهم الأسلحة وندربهم”.
في أعقاب الثورة الإسلامية، تغيرت السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إسرائيل والفلسطينيين. فبعد أن كان هناك تعاون أمني بين الشاه محمد رضا بهلوي وإسرائيل، أصبحت طهران تتحدث عن تأييدها للقضية الفسطينية وترى في إسرائيل “قوة محتلة” و”عدوا للإسلام”، وتعتبرها “شيطانا صغيرا ” مع الولايات المتحدة التي تمثل في نظرها “الشيطان الكبير”.
وكان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك الراحل ياسر عرفات أول شخصية دولية تزور إيران في أعقاب الثورة وتلتقي زعيمها آية الله الخميني.
كان هناك تحالف هش بين طهران ومنظمة التحرير الفلسطينية، شابته خلافات أيديولوجية بين الطابع الديني للجمهورية الإسلامية والتوجهات العلمانية للمنظمة، فضلا عن التقارب بين بعض عناصر المنظمة ونظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وتوقفت طهران عن دعمها للسلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993 التي عارضتها بشدة.
في المقابل، وجدت طهران في حركة حماس ذات المرجعية الإسلامية والتي تشكلت عام 1987 حليفا مستقبليا محتملا، رغم الاختلافات الأيديولوجية بين النظام الإيراني الشيعي والحركة الفلسطينية التي تتبع المذهب السني، وتعمقت العلاقات بينهما مع مرور السنين.
لكن العلاقة توترت في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، حيث رفضت حماس تأييد الرئيس بشار الأسد، الحليف المقرب من طهران، وتقلص الدعم العسكري الإيراني للحركة وتوقفت المساعدات المالية.
وعاد التقارب مرة أخرى بين الجانبين بشكل تدريجي ، وتعزز بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وتوجه عدد من البلدان العربية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
تقول سلافين: “العلاقة مع حماس أكثر تعقيدا. كما تعرفين، وقع شقاق بين حماس وإيران بسبب الحرب الأهلية السورية، كما أن هناك عناصر داخل حماس لا تثق في إيران. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الإيرانيون على دراية مسبقة بهجوم السابع من أكتوبر، لكن من المؤكد أن نطاق العملية أثار دهشتهم. كما إنني أشك في أن تكون لإيران سيطرة كبيرة على الطريقة التي تتعامل بها حماس مع الرد الإسرائيلي”.
ويرى مايكل نايتس زميل برنامج برنشتاين بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن “حماس على الأرجح لم تكن تتوقع مستوى النجاح الذي أحرزته في السابع من أكتوبر، أو مستوى الفظائع التي ارتكبت، ولم تتوقع كذلك قوة الرد الإسرائيلي والأمريكي، ومن ثم لم تكن تدرك أنها قد تقحم محور المقاومة بأسره في صراع كبير كهذا”.
العلاقة مع حزب الله بين “الهيمنة” و”الندية”
ترى سلافين أن من أسباب الصلة القوية التي تجمع بين جماعة حزب الله وإيران العلاقات الوطيدة التي تشكلت بين الشيعة اللبنانيين والمنشقين الإيرانيين الذين فروا إلى لبنان قبل الثورة الإسلامية في إيران.
في أعقاب اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 واحتلالها لجنوب البلاد، أُعلن عن تشكيل حزب الله، أو “المقاومة الإسلامية” كما كان معروفا آنذاك، وهو كيان سياسي شيعي مسلح. ومنذ تأسيسه، اعتبر الحزب المرشد الأعلى الإيراني “المرجع الشرعي والفقهي” له، وكان من أوائل الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم المالي والعسكري الإيراني في المنطقة. وعلى مدى العقود الأربعة التالية، ظل كلا الطرفين داعما قويا للآخر.
وقد عزز الحزب مكانته السياسية والعسكرية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب في عام 2000، كما تفاجئ كثيرون بقدرته العسكرية الهائلة خلال الحرب التي خاضها ضد إسرائيل عام 2006، لدرجة أن هناك من يرى أن القدرات العسكرية للحزب أفضل من قدرات الجيوش النظامية لبعض بلدان المنطقة.
وخلال تلك الفترة، ظلت العلاقات قوية بين حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيران، والمسؤول عن التنسيق مع الجماعات والميليشيات المتحالفة مع طهران في الشرق الأوسط. وقد عمل الفيلق على تزويد الحزب بالأسلحة والتدريبات العسكرية.
ترى سلافين أنه “في بداية العلاقة، كانت إيران هي الطرف المهيمن، لكن العلاقة تطورت..بحيث أصبح الاثنان بمثابة الندين. وفاة الخميني عام 1989، وتخفيض إيران لدعمها المالي لحزب الله في التسعينيات واستعداد الحزب للتحالف مع جماعات سياسية لبنانية أخرى، كل ذلك أدى إلى تمتعه بمزيد من الاستقلالية”.
وقد تحدث مسؤلون إيرانيون ومسؤولون من حزب الله مرارا عن أن الطرفين يتشاوران بشأن غالبية القرارات العسكرية والسياسية المهمة. ويرى مطلعون على الشأن الإيراني أن الإيرانيين عادة ما يستشيرون أمين عام الحزب حسن نصر الله ويثقون في تقييمه للأمور في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل.
العلاقات القوية التي كانت تربط بين حزب الله وحماس شهدت مرحلة من الفتور، كما حدث بين إيران والحركة، في أعقاب انخراط الحزب في الحرب الأهلية السورية إلى جانب الجيش السوري، وهو ما انتقدته حماس التي أيدت المعارضة. لكن مسؤولين من حماس أكدوا خلال الأشهر القليلة التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر أن العلاقة بين الطرفين بدأت تعود إلى طبيعتها.
وقد تصاعدت وتيرة تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر والحرب التي تقول إسرائيل إنها تشنها ضد حركة حماس في قطاع غزة، ولا سيما خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما أدى إلى تزايد المخاوف من نشوب حرب جديدة بين الجانبين.
وكان نصر الله قد أشاد بهجوم حماس على إسرائيل قائلا إنه “أسس لمرحلة جديدة من الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني”، وطالب الحكومات العربية والإسلامية بالعمل على وقف إطلاق النار.
ويرى كثير من المحللين أن حزب الله، الذي يشكل جزءا من الحكومة اللبنانية، لا يرغب في الانزلاق إلى حرب مفتوحة ليس فقط لاعتبارات استراتيجية تتماهى مع اعتبارات طهران، ولكن أيضا لاعتبارات داخلية: فلبنان يمر بظروف اقتصادية قاسية للغاية بالطبع ستزداد تدهورا في حال نشوب حرب أخرى.
ميليشيات عراقية وتجاوز “الخط الأحمر”
ترتبط إيران بعلاقات وثيقة مع جماعات شيعية عراقية مسلحة منذ وقت بعيد، إذ دعمت طهران معارضين عراقيين شيعة فروا إليها في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وفي أعقاب الغزو الأمريكي والإطاحة بصدام حسين عام 2003، أقامت إيران علاقات وثيقة بالحكومة في بغداد وغالبية الميليشيات الشيعية المسلحة التي تشكلت فيما بعد في العراق.
وبعد هجوم السابع من أكتوبر، عادت هذه العلاقة إلى دائرة الضوء من جديد مع تعرض القوات الأمريكية في العراق لعشرات الهجمات من قبل ميليشيات وجماعات عراقية مسلحة تعارض الوجود الأمريكي في البلاد.
وردت واشنطن بشن غارات على فصائل عراقية من بينها “الحشد الشعبي” و”حركات النجباء” المنضوية تحت لوائه، والتي يُعد أمينها العام أكرم الكعبي من أبرز معارضي الوجود الأمريكي في العراق. وفي أعقاب مقتل عناصر من الحشد في غارة أمريكية في نوفمبر الماضي، دعا الكعبي إلى “إعلان الحرب على أمريكا” وإخراج قواتها من العراق.
يرى محللون أن ثمة “خطا أحمر” غير معلن في قواعد الصراع الإيراني-الأمريكي يتمثل في عدم قتل إيران أو الميليشيات المتحالفة معها لمواطنين أمريكيين. وحتى عند اغتيال قاسم سليماني القيادي البارز بالحرس الثوري الإيراني في هجوم شنته مروحية أمريكية، لم يسفر الرد الإيراني الذي استهدف قاعدة أمريكية في العراق عن أي خسائر أمريكية في الأرواح.
لكن هذا الخط الأحمر تم تجاوزه في أواخر يناير الماضي عندما أدى هجوم بمسيرات على قاعدة “البرج 22” العسكرية الأمريكية في الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا، إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وجرح 34 آخرين.
وجاء الرد الأمريكي بشن غارات على “أهداف إيرانية” في سوريا والعراق في وقت سابق من الشهر الحالي.
وبعد يومين من الهجوم على قاعدة البرج 22، أعلنت جماعة “كتائب حزب الله” العراقية المدعومة من إيران، والتي تعد واحدة من الجماعات المنضوية تحت لواء ما يعرف بـ “المقاومة الإسلامية في العراق” التي اتهمتها واشنطن بتنفيذ الهجوم، تعليق عملياتها ضد القوات الأمريكية لتفادي “إحراج الحكومة العراقية”، على حد قول البيان المنسوب إلى الجماعة.
لكن مصادر إعلامية أشارت إلى أن الإعلان جاء بناء على طلب إيران، إذ أتى بعيد زيارة إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لبغداد.
الحوثيون وعلاقة أخرى “معقدة”
تعود الجذور العقدية لحركة أنصار الله الحوثية إلى مذهب الإسلام الزيدي الشيعي الذي يختلف عن المذهب الاثنا عشري السائد في إيران.
وقد لعبت عوامل سياسية وجغرافية وعقدية كثيرة دورا في تبلور الحركة الحوثية، فضلا عن مطالبة الحركة المتعلقة بحقوق السكان في المناطق ذات الغالبية الزيدية.
وقد تأثر الزعيم الأول للحركة، حسين بدر الدين الحوثي، بأفكار الثورة الإسلامية في إيران، وفكرة القيادة السياسية ذات المشروعية الدينية، ومقاومة الاستعمار والصهيونية.
وتتبنى الحركة بعض شعارات الثورة الإيرانية مثل “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”.
وتحولت الحركة إلى تنظيم مسلح عام 2004 الذي شهد أيضا مقتل حسين الحوثي، ليخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك في القيادة. وخاضت الحركة حروبا عديدة مع حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وعزز الحوثيون موقعهم ونفوذهم في البلاد بعد سقوط صالح عام 2012 وتحول أنصاره إلى دعمهم من الناحية العسكرية.
واتهمت السعودية إيران مرارا بتقديم الدعم العسكري للحوثيين، وشعرت بالقلق من التحالف بينهما. وقادت المملكة تحالفا عسكريا ضدهم في عام 2015. وأدت الحرب إلى إلحاق دمار هائل باليمن.
ورغم العلاقات القوية بين إيران والحوثيين، وتعزيز طهران لقدراتهم العسكرية التي تشمل صواريخ بالستية وصواريخ مضادة للسفن ومُسيّرات، يلفت مراقبون إلى اختلاف تلك العلاقات مع العلاقات الإيرانية بحزب الله على سبيل المثال، نظرا لوجود اختلاف مذهبي، ونظرا لأن الحوثيين في رأيهم لا يسعون إلى لعب دور إقليمي، بل يركزون على وضعهم الداخلي.
يقول جيرمي بوين، محرر الشؤون السياسية في بي بي سي، والذي أمضى فترة لا بأس بها مع الحوثيين في اليمن، إنه “من الأفضل أن ننظر إليهم على أنهم حلفاء وليس وكلاء لإيران”.
يصف بوين الحوثيين بأنهم “أشخاص ذوو عقلية مستقلة إلى درجة كبيرة، يتلذذون بالدخول في صراع مع الأمريكيين، ويريدون أن يكونوا جزءا من هذه الحرب [في غزة]”.
وبالفعل، أصبح الحوثيون جزءا من الحرب، إذ شنوا عشرات الهجمات بالصواريخ والمسيرات على سفن تجارية وعسكرية غربية منذ منتصف نوفمبر الماضي، قائلين إن الهجمات تهدف إلى دعم الفلسطينيين. وأدت تلك الهجمات إلى عرقلة حركة الشحن في مياه البحر الأحمر وقناة السويس، ودفعت بعض الشركات إلى إعادة توجيه سفنها وحاوياتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الأكثر طولا وتكلفة.
وقد ردت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن هجمات الشهر الماضي على أهداف للحوثيين في مناطق خاضعة لسيطرتهم في غرب اليمن.
وتقول باربرا سلافين إن العلاقة بين إيران وجماعة أنصار الله “معقدة هي الأخرى. فالحوثيون يستمتعون بكونهم أكبر داعمين للفلسطينيين في العالم العربي، وبمواجهتهم لأمريكا وبريطانيا. ويستخدمون أسلحة إيرانية، لكنهم لا يطلبون الإذن من طهران في كل مرة يطلقون فيها النار على سفينة في مياه البحر الأحمر. هناك رؤى وأهداف مشتركة بين الحوثيين وزعماء إيران، لكن تركيز الحوثيين على السيطرة على المزيد من الأراضي اليمنية أكبر من تركيزهم على تحرير فلسطين”.
وبينما هدأت الهجمات التي شنتها ميليشيات وجماعات متحالفة مع إيران في العراق وسوريا خلال الشهر الحالي، لم تتوقف هجمات الحوثيين حتى وقت كتابة هذا المقال.
قاسم سليماني وحلقة الوصل التي فقدت
يرى محللون أن اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي ينسب إليه الفضل في تأسيس “محور المقاومة” وإدارته، أثر كثيرا على قدرة إيران التنسيقية والتعبوية مع ميليشيات المحور عبر منطقة الشرق الأوسط. فقد كان لسليماني صلات وعلاقات وطيدة بتلك الميليشيات وخبرة كبيرة بالمنطقة.
تقول سلافين: “أخبرني إيرانيون بأن التنسيق بين أعضاء محور المقاومة كان أقوى عندما كان قاسم سليماني حيا، ويبدو ذلك أمرا معقولا لي، نظرا لأن سليماني كان يتحدث العربية بطلاقة، وهو بالأساس من شكّل المحور. خليفته [إسماعيل قاآني] خبير بشؤون أفغانستان أكثر من خبرته بالعالم العربي. ويعني ذلك أن أعضاء المحور قد يتصرفون باستقلالية أكبر، ويصبح من الصعب على أي جهة أن تسيطر عليهم”.
وقد نقل موقع بوليتيكو الإخباري عن مسؤولين أمريكيين مطلعين أن تقديرات الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن “طهران لا تسيطر بشكل كامل على الجماعات الموالية لها في الشرق الأوسط”.
لكن مايكل نايتس يرى أن كل ميليشيا أو جماعة “تربطها علاقة مختلفة قليلا بفيلق القدس، ولا يستطيع أي منها التصرف بشكل مستقل بطرق تؤدي إلى الإضرار بأمن إيران. كافة الجماعات تدرك ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله. إيران لها أهداف أيديولوجية وميثاق دفاعي مشترك مع أعضاء محور المقاومة، ومن ثم فإنه من النادر جدا أن تختلف المصالح الإيرانية مع مصالح حزب الله أو الميليشيات العراقية أو الحوثيين”.
رغم اختلاف الآراء حول مدى نفوذ إيران لدى الميليشيات الموالية لها أو المتحالفة معها في الشرق الأوسط، يوجد شبه إجماع على أنها لا تريد توسيع نطاق الحرب أو الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل – وهو ما أكدته طهران في أكثر من مناسبة. لكنها في الوقت ذاته قد تجد صعوبة في إثناء فصائل “محور المقاومة” عن شن هجمات ضد أمريكا أو إسرائيل لأن ذلك من شأنه التعارض مع مواقفها المعلنة ومع مفهوم “المقاومة”. كما أن كل فصيل يجد نفسه مضطرا في بعض الأحيان إلى التصرف ضمن سياق أوضاع بلاده ومعطياته الداخلية.
كل هذه الاعتبارات تزيد من حالة الغموض المحيط بمستقبل الأوضاع في المنطقة، في فترة قال عنها مسؤول أمريكي في تصريحات لموقع بوليتيكو بأنها “ربما كانت الفترة الأكثر تعقيدا التي شهدتها في هذه المنطقة”.