نعود بالزمن إلى نهاية السبعينيات، وتحديدا عام 1978، عندما خاض عادل إمام، أولى تجربة تلفزيونية له، بعد أن حقق نجاحًا كاسحًا على خشبة المسرح، وشاشة السينما، وكان التلفزيون في هذا الوقت جهاز خطير، يتم انتقاء ما يعرض عليه بدقة، لأنه يدخل البيوت، ومن يصبح نجما في التلفزيون يكتب له شهادة ميلاد فنية قوية، خاصة عندما يعرض عمل في رمضان.
وكان التلفزيون حينها قناتين فقط يعرض مجموعة مختلفة من البرامج، وأيضا نشرات الأخبار والأغاني والمسلسلات، وله فترة بث محدودة، لذلك كان العمل الجيد عندما يعرض يلقى نجاحًا كبيرًا لأن فرصته في المتابعة من الجمهور تكون قوية.
*إبراهيم الطاير.. كسر نمط البطل المثالي
مسلسل أحلام الفتى الطائر من تأليف وحيد حامد، وإخراج محمد فاضل، وبطولة عادل إمام وعمر الحريري، وجميل راتب، ورجاء حسين، ورجاء الجداوي، وسعيد صالح، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من الممثلين الذين شاركوا في العمل كضيوف الشرف مثل “محمود المليجي، وأمينة رزق، وصلاح منصور، وعبدالوارث عسر، وتوفيق الدقن، وزيزي مصطفى وهدى رمزي، وسوسن بدري وصفية العمري، وزين العشماوي وغيرهم”.
وتدور الأحداث حول الشخصية الرئيسية إبراهيم الطاير، وهو شخص خارج على القانون ويعمل في السرقة، يقوم بالنصب على عصابة، ويستولى على مبلغ مالي كبير ولكي يهرب من العصابة يقرر الاختباء في مستشفى الأمراض العقلية باتفاق مسبق مع مدير المستشفى، وهناك يلتقي بالكاتب حسين رأفت (عمر الحريري) الذي تسببت صدمة نفسية في دخوله إلى المصحة، نتيجة لخيانة زوجته له.
ورغم اختلاف البطلين إلا أن وحيد حامد يستطيع خلق خيط رفيع يربط مصيرهما، وتبدأ الحكاية في التشويق والإثارة مع هروب إبراهيم وحسين، ويصبحان مطاردان من أكثر من جهة، وأثناء رحلة الهروب يلتقيان بشخصيات أخرى يتفاعلان معها ويؤثران في مصائرهم.
ومن الواضح أن وحيد حامد في بدايته الفنية كان منجذبا للشخصيات المختلفة التي لديها حلم التحرر (الطيران)، وانعكس ذلك على سيناريوهات أعماله، أولى أفلامه طائر الليل الحزين عام 1977 بطولة محمود عبد العزيز، ثم أحلام الفتى الطائر عام 1978 بطولة عادل إمام، والطيور لا تعيش فرادى الذي أصبح فيما بعد غريب في بيتي لنور الشريف عام 1982.
وشخصية الطائرة مختلفة ومتمردة، فهو ليس بطلا مثاليًا، يسعى للخير والمُثل العليا، وإنما لص محترف، يحلم بالثراء السريع، يشبه المرحلة التي وجد فيها، مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي غيرت شكل المجتمع وصعود أشخاص من الطبقة الدنيا إلى الطبقات الثرية بسرعة كبيرة، وهو ليس مجبر على هذا الطريق، بل تاريخ الشخصية الذي رسمه وحيد حامد يركز على أن هذا الطريق هو اختيار البطل لأنه يحلم أن يكون ثريًا.
مازال العمل يكتب عنه ويتذكره الجمهور والمتخصصون على منصات التواصل الاجتماعي، وشخصية الطاير الحالمة التي تعلق بها الجمهور واحدة من أبرز شخصيات عادل إمام التي قدمها على شاشة التلفزيون.
وكتب الناقد محمود عبد الشكور، عن المسلسل مؤخرًا، عبر صفحته على “فيسبوك”: “لم يكن أسطى الدراما وحيد حامد في حاجة إلا لأربعة عشر حلقة فقط لكى يحكى عن بطله المتمرد الحالم، وعن شخصيات وأماكن كثيرة، في مسلسله الشهير أحلام الفتى الطائر، العمل كان في الأصل مسلسلا إذاعيا ولكن المسلسل في نسخته التليفزيونية يبدو كما لو كان قد كتب لعادل إمام، حكاية الطاير هي الحكاية المحورية، وبطلنا نموذج لما يسمى بالبطل الضد: أبعد ما يكون عن المثالية، مغامر، متمرد، وسجين سابق، ولكنه ظريف، وحالم، وهو طاير بالمعنيين: أحلامه أكبر من واقعه فهو لا يستقر في مكان لأنه مطارد، وتكمل قصته شخصية المؤلف الذى اتهم بالجنون، الاثنان حالمان ومطاردان، وبينما يعانى المؤلف من خيانة زوجته، فإن امرأة لا تنسى اسمها نعيمة تساند الطاير حتى النهاية”.
وأضاف: “العمل كان جريء بمقاييس عصره، يكفى مشهد تقديم الرشوة لمدير المستشفى، وهو حسبما أتذكر مشهد غير مسبوق في الدراما التليفزيونية وقتها، وقد نجح بامتياز في رسم ملامح شخصياته، وملامح عصرهم المتوحش، هلفوت أراد أن يكون محترما من خلال الثروة، ومؤلف هارب من جحيم المادة إلى بلد المحبوب، ونعيمة تنتظر حبيبا لا يظهر حتى يطير، مأساة أم ملهاة؟ الاثنان معا”.