بعد تبني مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار في غزة، سلطت مقالات الرأي في الصحف العالمية الضوء على تأثير الموقف الأمريكي من التصويت في مجلس الأمن على العلاقة مع إسرائيل.
ونبدأ جولتنا من صحيفة الغارديان البريطانية، ومقال كتبه ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، يشرح فيه كيف أن موقف واشنطن من التصويت في الأمم المتحدة، دليل على نفاد صبر إدارة بايدن تجاه نتنياهو.
ويرى بينكاس أن نتنياهو كان يسعى عمداً إلى مواجهة مع الولايات المتحدة منذ أواخر أكتوبر، وكان قرار مجلس الأمن “أحدث ذريعة لهذه المواجهة المتعمدة”.
ويشير المقال إلى سببين يدفعان نتنياهو لهذه المواجهة: الأول اختلاق رواية تصرف الانتباه عن سياسته التي “تضعف السلطة الفلسطينية وتجعل أي مفاوضات سياسية مستحيلة؛ وبالتالي تعفيه من المسؤولية والمساءلة التي يرفض باستمرار تحملها”.
والمشكلة الأكبر حالياً بالنسبة لنتنياهو، بحسب المقال، هي “إمكان قيام دولة فلسطينية يحاول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، فرضها على إسرائيل منذ الهجوم”.
ووفقاً لهذه الرواية، فإن نتنياهو هو “البطل الوحيد القادر على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، وتحدي الرئيس الأمريكي، ومنع هذه المهزلة”، وبالتالي يسترضي ائتلافه اليميني المتطرف الذي يعارض أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية.
أما السبب الثاني فهو أن “نتنياهو يسعى لأن يجعل من بايدن كبش فداء لفشله في تحقيق النصر الكامل أو القضاء على حماس، وهي الأهداف الإسرائيلية المعلنة”، بحسب الكاتب.
ووفق المقال، فإن هناك ثلاث نقاط خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتعلق بتفاصيل مواصلة الحرب: عرقلة إسرائيل للمساعدات الإنسانية؛ وعدد القتلى من المدنيين غير المقاتلين؛ والاجتياح العسكري المحتمل لرفح.
ويقول الكاتب: “كان من الممكن حل هذه الخلافات لولا السجل الحافل لنتنياهو بالمواجهات والمشاحنات المتكررة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، والذي يضع الولايات المتحدة أمام اتجاهين، إما الإطاحة بنتنياهو أو تركه للخسارة في الانتخابات، أو اقتناع واشنطن بأن طبيعة العلاقات الثنائية تعاني من التعثر وتستدعي إعادة تقييم للعلاقات بين البلدين”.
ويختتم بينكاس مقاله بأن إسرائيل وصلت إلى النقطة التي أصبحت قيمتها كحليف موضع شك، وأن الولايات المتحدة استغرقت بعض الوقت قبل أن تدرك أخيراً أن “إسرائيل ربما تكون حليفة، لكن من المؤكد أن نتنياهو ليس كذلك”.
“العلاقة الإسرائيلية- الأمريكية تتفكك”
ننتقل إلى “نيويورك تايمز” الأمريكية، ومقال بعنوان: “الضغوط السياسية الداخلية التي توسع الانقسام بين بايدن ونتنياهو”.
ويؤكد المقال الذي كتبه ستيفن إيرلانغر، الرئيس السابق لمكتب الصحيفة في القدس، بالاشتراك مع آرون بوكسرمان من القدس، أن هناك “حلفاء في الداخل من شأنهم أن يفرقوا بينهما أكثر”.
ويذكر المقال بالتحديد شريكي نتنياهو من اليمين المتطرف في الائتلاف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين ينتقدان أي لمحة على تردد نتنياهو في الحرب ضد حماس أو في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ويشير المقال إلى مقابلة حديثة اتهم فيها وزير الأمن القومي بن غفير، الرئيس الأمريكي بتقديم “الدعم الضمني لأعداء إسرائيل مثل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، ورشيدة طليب، عضوة الكونغرس الديمقراطية من أصل فلسطيني”.
ويرى المقال أن البقاء السياسي لنتنياهو يعتمد في الوقت الحالي على إبقاء بن غفير وسموتريتش في ائتلافه، وإذا غادرا الحكومة، فسيؤدي ذلك إلى انتخابات مبكرة من المرجح أن يخسرها نتنياهو أمام منافسه بيني غانتس.
أما على الصعيد الأمريكي، فتصف الصحيفة امتناع الولايات المتحدة عن التصويت الأخير في مجلس الأمن بأنه قرار “سياسي أكثر منه جوهري”، وأن بايدن يدرك أن المواقف المتوترة تجاه إسرائيل في حزبه الديمقراطي، قد تقوض دعمه في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
وعلق ناتان ساكس، مدير مركز معهد بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط، بأن “هناك خلافات عميقة بين بايدن ونتنياهو، وهناك تغييراً واضحاً في السياسة” في واشنطن.
وقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي يعمل حالياً في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن الخطر بالنسبة لبايدن يكمن في أن مواجهاته مع نتنياهو قد تزيد من صعوبة تعاون إسرائيل لتحقيق أهداف الرئيس الأمريكي، المتمثلة في “خفض تصعيد الحرب، وزيادة المساعدات الإنسانية، وتقليل دموية عملية رفح”، ناهيك عن خطة عملية لحكم غزة بعد الحرب.
وأضاف ميلر أن “هناك شعوراً متزايداً بأن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة تتفكك”، متسائلاً عن حقيقة توافق قيم ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة، في ضوء سياسة إسرائيل القائمة على ضم الأراضي “وتحدي نصيحة أحد أكثر الرؤساء تأييداً لإسرائيل في التاريخ”.
واستعان المقال بما قاله دانييل سي كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، عن أن نتنياهو يمهد لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة في عرقلة عملية رفح للقضاء على حماس، ما يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها.
ويضيف كيرتزر أنه إذا نفذ نتنياهو الاجتياح البري لرفح، فسيقول إنه الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي يمكنه تحمل الضغوط الأمريكية.
“نتنياهو أصبح معول هدم لإسرائيل
ونختتم جولتنا بصحيفة هاآرتس الإسرائيلية التي جاء مقالها الافتتاحي تحت عنوان “نتنياهو أصبح معول هدم لإسرائيل”، قائلة إن نتنياهو أضاف إلى “قائمة إخفاقاته” أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل، بتغيير موقفه تجاه واشنطن، بدلاً من الاعتراف “بفشله” من جديد.
ويشرح المقال هذه “الأزمة” التي تسبب فيها نتنياهو مع واشنطن، من خلال اختياره “الاستمرار في شجب واستفزاز الأمريكيين، بدلاً من اعتذاره للإسرائيليين عن التسونامي الدبلوماسي الذي جلبه عليهم، من خلال سياسته المتهورة، التي دفعت إسرائيل إلى حافة الهاوية في أكتوبر/تشرين الأول”.
فبعد التصويت الأخير في مجلس الأمن، ألغى نتنياهو رحلة رسمية لوفد إسرائيلي كانت مقررة إلى واشنطن، متهماً الولايات المتحدة بالتخلي عن “الموقف الأمريكي الثابت” وبالتالي “الإضرار بالمجهود الحربي”.
كما اتهم مكتب نتنياهو الولايات المتحدة بتقويض الجهود الرامية إلى تحرير الرهائن وإعطاء قوة دفع تدعم حماس، وهو ما يكاد يفصل نتنياهو خطوة واحدة عن اتهام الأمريكيين بدعم الإرهاب، بحسب المقال.
وأكد تقرير الصحيفة الإسرائيلية أن الجانب الأمريكي بذل قصارى جهده ليوضح لإسرائيل رفضه شن عملية عسكرية في مدينة رفح، لكن نتنياهو تجاهل أن إسرائيل تعتمد على واشنطن في المساعدات العسكرية و”القبة الحديدة الدبلوماسية”، قائلاً “إذا لزم الأمر، فسنفعل ذلك بمفردنا”.
واختتم المقال بأن نتنياهو بات “عبئاً على إسرائيل”، ويعرّضها “لمخاطر استراتيجية قد تكلفها ثمناً باهظاً”، داعياً نتنياهو إلى ضرورة الاستقالة وإعطاء إسرائيل فرصة “لإنقاذ نفسها من الضرر الذي لحق بها بسببه”.