ما من أحد في العالم، إلا ويدرك أن العدو الصهيوني، يوظف كل طاقاته وإمكاناته، لمنع وقف الحرب في غزة، أو الدخول في هدنة طويلة مع المقاومة.
ورغم إجماع العدو، قبل الصديق، والمحايد على أن إسرائيل، لم تحقق، ولن يكون في وسعها أن تحقق أيا من الأهداف التي أعلنتها عنوانا لحربها، من إنهاء حماس، وهدم الأنفاق، والتحكم في إدارة غزة.. .تلك الأهداف التي يؤكدها العدو يوميا، لكنها في واقع الحال، تغيرت واستعيض عنها بتحويل غزة إلى قطاع تستحيل فيه الحياة.
كثيرون، يعزون سبب التعنت إلى شخص رئيس حكومة العدو «بنيامين نتنياهو»، وسعيه إلى تأخير مصيره الحتمي بعد توقف القتال، واستكمال إجراءات محاكمته على تهم «تلقي الرشاوى»، والاحتيال، وخيانة الثقة، وفقًا للائحة الاتهام التي قدمها المستشار القانوني السابق للحكومة الإسرائيلية «أفيخاي ماندلبليت»، في بداية عام 2020.
وواقع الأمر، أن أسباب التعنت الصهيوني، أكثر، وأبعد من أن تشخصن في «نتنياهو»، فمن غير المعقول، أن ينزل الكيان بالكامل عند رغبة رئيس الحكومة، وأن يواصل نزيفه العسكري، والسياسي، والاقتصادي، ويواصل استعداء معظم دول العالم، من أجل عيون نتنياهو، الذي رسب بجدارة في كل ما واجهه من تحديات.
الواقع أن ما ينتظر الكيان الصهيوني، أعمق بكثير، فالحكومة، وقيادة الجيش، والأركان، والأجهزة الأمنية، والاستخباراتية، ستقف حتما أمام هيئة قضائية، ستكون أشد وأقصى من لجنة «فينوجراد»، التي تشكلت بعد حرب 2006 مع حزب الله، والتي «أقرت بهزيمة إسرائيل، وواجهت قادة الكيان بأنهم دخلوا في الحرب دون وضع إستراتيجية للخروج شكل ثغرة خطيرة، وأن إدارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والميداني وخصوصا على مستوى القوات البرية».
علما بأن ما لحق بـ «دولة الاحتلال» في 2006 من هزيمة منكرة، أقل بكثير مما لحق بها في طوفان الأقصى.. كذلك ينتظر الكيان انفجار حزمة ضخمة من التناقضات، والخلافات الداخلية، سواء داخل كل حزب بما في ذلك «الليكود»، أو بين الأحزاب فيما بينها، فضلا عن قنبلة تجنيد الحريديم «المتدينون اليهود الأصوليون»، والتي لو انفجرت سيكون صداها أخطر على الكيان من كل حروبه.
كذلك، فإن الكيان تنتظره أيضا سمعة دولية مشوهة ومدمرة، واستحقاقات اقتصادية عنيفة، ومواجهات مضنية مع خسارات لا يمكن تداركها في عقد أو عقدين، ولا يمكن تعويضها بأي منح أمريكية، وغربية، فالعطايا أعجز من أن تسترد للكيان سمعته الاقتصادية العالمية التي ضربت، ومكانته التقنية في البرمجيات التي ضمرت، وتعاقداته التي ألغيت.
لتلك الحقائق، وغيرها، لا سبيل أمام العدو، إلا منح نفسه ما تيسر من وقت للعثور على مخارج، قد يكون من بينها ما يمكن اعتباره نصرا، (ربما بتنفيذ تهديده باجتياح رفح)، أو على الأقل، إبعاد أشباح الانفجارات ما أمكن، وما من سبيل إلى ذلك، إلا بإطالة أمد الحرب، وهذا ما يتقاطع عنده كل الخصوم، والأفرقاء.
لكن مجريات الأحداث، والخسارات الفادحة التي يمنى بها الصهاينة، وخاصة على صعيد رعاته الغربيين، أصبحت تشكل كابوسا مرعبا حقيقيا لـ (إسرائيل)، والامتناع الأمريكي عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728 بشأن غزة، ووقف الحرب خلال الأيام المتبقية من رمضان، يعكس بالتأكيد ضجرا أمريكيا، يمكن وصفه بـ(خوف واشنطون على إسرائيل من نفسها).. لذلك، سيعمد الكيان في حال أجبر بشكل ما على تغيير سلوكه، أن يرضخ في غزة، وأن ينقل عناده إلى جهة أخرى تضمن، أو توفر له حجج تعطيل، أو تأجيل استحقاقات ما بعد حرب غزة.
وإذا أصابت تلك التوقعات، فأمام العدو جبهتان، إما أن يدخل في حرب موسعة مع (حزب الله)، أو أن يشعل المواجهات في الضفة.
التوسيع مع حزب الله، وإن كان مستبعدا من حيث الواقع والمنطق، فإن سلوك العدو منذ بداية طوفان الأقصى يثبت خروجه عن كل ما هو عقلاني، ومنطقي.. والمراقب لمجريات الاشتباكات بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، لن يجد صعوبة في استنتاج ملامح «حرب المعادلات»، الدائرة منذ الثامن من أكتوبر 2023، والواضح منها أن للحزب اليد الطولى فيها.
فالحزب هو الذي بادر، ليشكل جبهة اسناد لغزة «بحسب تعبير الأمين العام السيد حسن نصر الله».
وهذا الإسناد لن ينقلب إلى حرب موسعة، إلا في حال أصبح وضع «حماس»، و«الجهاد»، في خطر حقيقي، وهذا ما لم يحدث، وتثبت الأيام والمعارك استحالة أن تحققه دولة الاحتلال.. وهذا يطرح سؤالا جوهريا: كيف لإسرائيل أن تورط نفسها مع حزب الله، الأقوى بعشرات المرات من المقاومة الفلسطينية التي لا قبل لإسرائيل بها؟، لكن الشق الثاني من هذه المعادلة، وعلينا أن نراه بوضوح، أن حزب الله رغم قوته، وتمكنه، وما يخفيه من قدرات ومفاجئات، ليس معزولا عن واقع لبنان المنهار اقتصاديا، والمضطرب سياسيا، والمدار بلا رئيس، وبحكومة تصريف أعمال، والذي تحاول القوى الانعزالية زيادة مساحات النخر فيه، ولو أدى الأمر إلى حرب أهلية.
كذلك، فليس من الوارد أبدا أن يغض حزب الله بصره عن حجم الدمار الذي سيلحق بلبنان، في حال نشوب حرب مدمرة.. نعم، سوف يمنى العدو بخسائر فادحة لم يعهدها من قبل، وبحسب تعبير خبير عسكري:(قد لا تجد طائرات العدو المغيرة مطارات صالحة تهبط فيها بعد قصف لبنان).. وأن السيد نصر الله يعني تماما ما قاله (سيكون المدني مقابل المدني، والمسكن مقابل المسكن، وستكون حربا بلا حدود، وبلا سقف).. لكن أمين عام حزب الله، يدخر ذلك إلى لحظة لا يكون فيها أمامه سوى خيار الحرب المفتوحة الموسعة (أيا ما تكون التبعات)، أما حاليا، فالمجال أمامه مفتوح للمزيد من استنزاف إسرائيل.
لذلك، تبدو الضفة الغربية، سيناريو متاحا، تأخذ به (إسرائيل) العالم إلى ملف آخر، يبدأ فيه من نقطة الصفر، في حين يستكمل الكيان خلاله مشوار تأجيل انفجاره الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023، علما بأن العدو كما يخطط لإفراغ غزة وترحيل أهلها، فإنه يخطط بالفعل، أيضا، لإفراغ الضفة وابعاد أهلها إلى الأردن، ومن ثم التفرغ لأراضي 1948، والتي ينوي افراغها عن عربها إلى الشتات، ليصبح الكيان (وطنا) لليهود فقط.. فهذا وحده ما يمكن أن ينجيه من قنبلة أخرى في انتظاره، وهي قنبلة (الديموغرافيا)، حيث تعتبر الزيادة الطبيعية لدى الفلسطينيين هي الأعلى في العالم، وخصوصًا في قطاع غزة وعند بدو النقب، حيث قد تصل نسبة هذه الزيادة إلى 4.5% سنويًا. أما الزيادة الطبيعية عند سكان الضفة الغربية وباقي فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 فقد تصل نسبتها إلى 3.5% سنويًا. مقابل ذلك فإن الزيادة لدى اليهود تبلغ 1% سنويًا، رغم استجلاب الروس، والأثيوبيين، وغيرهم.. ورغم ضآلة هذه النسبة، فإنها في هذا المستوى بفضل (الحريديم)، الذين يكثرون من الإنجاب لأسباب دينية تتعلق بالموقف من تحديد النسل، فلولا الحريديم، لما تعدت نسبة الزيادة (اليهودية)، الربع في المئة.