كشفت وزارة الأوقاف المصرية عن موضوع حظبة الجمعة غدًا 29 مارس الموافق 19 رمضان وتعد خطبة الغد هي الخطبة الثالثة خلال شهر رمضان المبارك.
وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة غدا ليكون عن فضل العشر الأواخر من رمضان والتماس ليلة القدر فيها.
ويقدم موقع «الأسبوع» خلال السطور التالية نص خطبة الغد وفقا لما نشرته وزارة الأوقاف.
نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، القائل فى كتابه العزيز: ((وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٧]
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم.
أما بعد
أيها المسلمون، فها هي أيام الخيرات والبركات تمضي سريعاً، وها هو شهر الصيام على أعتاب العشر الاواخر من رمضان، ولكن ما زالت الفرصة قائمة أمام كل من قصًر وفرّط فيما مضى، لان الخسران كل الخسران أيها المسلمون أن يمضي رمضان دون أن نغتنم أيامه وأوقاته وبركاته وخيراته، ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رقِيَ الـمِنْبرَ، فقال: آمينَ، آمينَ، آمينَ، قيل له: يا رسولَ اللهِ، ما كُنتَ تَصْنَعُ هذا؟! فقال: قال لـي جِبريلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أدرَكَ أَبَوَيْه أو أَحَدَهما لَـمْ يُدْخِلْه الجنةَ، قلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عليه رَمضانُ لَـمْ يُغْفَرْ له، فقلتُ: آمينَ، ثم قال: رَغِمَ أنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَه فلَمْ يُصَلِّ عَليْك، فقُلتُ: آمينَ)).
أيها المسلمون، والعشر الاواخر من رمضان فيها الكثير من الطاعات والقربات والعبادات التى ترتبط بها منها.
أولاً: الاجتهاد في العبادة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الأيام بكثير من الجد والاجتهاد، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت ((كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ)).
وهكذا أيها المسلمون، فقد كان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، ولهذا يقول العلماء: “ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه”. وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة.
ثانياً: الاعتكاف، وهو من العبادات المرتبطة بالعشر الأواخر من رمضان فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِن رَمَضانَ حتّى تَوَفّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْواجُهُ مِن بَعْدِهِ)).
والاعتكاف معناه كما قال ابن حجر في الفتح إنه لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه. وشرعاً: “المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة”.
والأصل أنه عزوف عن الدنيا وانقطاع للعبادة وتخلية للنفس عن التشاغل بغير الطاعات والقربات، فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصداً للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره، وإن كان خرج من الدنيا وانقطع عنها فلا وجه لأن يأتي بالدنيا حتى يُدخلها معتكفه، ومما ينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة، كما يحدث الآن من بعض المعتكفين من انشغالهم وتعلقهم الشديد بالطعام والشراب، لدرجة أن بعضهم يقصر في نظافة المساجد أثناء الاعتكاف، فينبغي على المعتكف مراعاة المسجد، ومراعاة حرمته، واستغلال الاعتكاف فقط لعبادة الله. ولكن لا يكون الاعتكاف أبدا على حساب العمل المنوط به الإنسان، إذ ليس من اللائق أن يترك الإنسان عمله ووظيفته مما يؤدى إلى تعطيل مصالح الناس من أجل الاعتكاف، فهذا بلا شك فهم خاطئ لمقاصد الدين الإسلامي.
ثالثاً: اغتنام جميع الوقت، فالمسلم الصائم في رمضان ليس عنده وقت يضيعه فيما لا يعود عليه بفائدة، وهو يعلم أن كل شيء يمكن تعويضه إلا الوقت، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ((نَهَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الوِصَالِ، فَقالَ له رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: فإنَّكَ -يا رَسولَ اللَّهِ- تُوَاصِلُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّكُمْ مِثْلِي؟! إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِ. فَلَمَّا أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ واصَلَ بهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الهِلَالَ، فَقالَ: لو تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ. كَالْمُنَكِّلِ بهِمْ حِينَ أبَوْا)).
ولا شك أن المقصود هنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا حريصين أشد الحرص على تحصيل كل ما فيه الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحِسي.. وإنما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة، وإلا فإن كل ذلك كان منه اغتناما للوقت، وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم.
رابعاً: تحرى ليلة القدر، أيها المسلمون فإن الله سبحانه وتعالى منَّ على الأمة المحمدية بليلةٍ ساطعةِ النور، جليلةِ القدر، عظيمةِ الأجر، عظيمةِ الثواب، عامةِ البركة، شاملةِ الرحمة، إنها ليلة القدر. قال تعالى (( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿1﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿2﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿3﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴿4﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿5﴾ سورة القدر، وقال تعالى أيضاً (( إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ (4) أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ (5) رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (6) سورة الدخان.
وعلينا أن نعلم أن النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلم- كان قد علم موعد ليلة القدر على وجه التعيين، ثم أُنسيها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، ليتحفَّز الناس إلى العبادة والدعاء في العشر الأواخر، وألَّا يخصوا ليلةً منها بعينها يؤيد ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى (تخاصم) رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة”)).
ومن هنا أيها المسلمون، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى تحري ليلة القدر في هذه الأيام المباركة خاصة في الليالي ذات الأعداد الفردية، وهي ليلة مشهودة يحصل فيها مزيد اتصال بين العباد وربهم سبحانه، وهي ليلة بدء نزول القرآن الكريم على قلب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي ليلة سلام تنزَّل الملائكة فيها بالبركة والرحمة، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أخبرنا عن ليلة القدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هِيَ فِي رَمَضَانَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَإِنَّهَا وِتْرٌ: فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ، فَمَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ».
الخطبة الثانية
أيها المسلمون هنيئاً لكم يا أمة رسول الله صلى الله عليه بليلة القدر لما فيها من الخيرات والبركات والرحمات، كذلك فإن لليلة القدر علامات تعقبها، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال صلى الله عليه وسلم ((ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ)) ولكن مبالغة بعض الناس وانشغالهم ببعض الظواهر المناخية التي ترتبط بصبيحة هذه الليلة أمر فيه التكلف بما لا فائدة من ورائه، فالأهم من كل ذلك هو الشعور بالسلام النفسي والطمأنينة واستنارة القلب والإقبال على الله بالعبادة والخشوع والتضرع.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أيها المسلمون، ما هو الدعاء الثابت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر؟ وتجد الإجابة عند عائشة رضي الله عنها، فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت ((يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ إذا صادَفْتُ ليلةَ القَدرِ؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ، فاعْفُ عنِّي)).