كان دور الراقصة جزءا محوريا في أعمال سينمائية كثيرة، إما مشاركة برقصة ضمن الأحداث أو تجسد دورا مهما في العمل، وعندما بدأ التلفزيون وأنتجت المسلسلات كان أيضا دور الراقصة جزءا أصيلا من كثير من الأعمال التلفزيونية سواء كبرت مساحته أو صغرت، كانت ذات تأثير في الأحداث أو وجود عابر، وإنما بالتأكيد أن هذا الدور كان موجودا.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك موجة من النقد أو الأسئلة الاستنكارية التي توجه إلى ممثلات بسبب دور راقصة، أو أداء رقصة ضمن سياق أحداث مسلسل يشاركن فيه، وكان آخر هذا التوجه واضحا في التريند الذي ظهر قبل شهر رمضان بأيام عندما سأل أحد المراسلين رانيا يوسف عن أدائها دور راقصة في مسلسل برمضان، كما هاجمت المذيعة بسمة وهبة في برنامجها العرافة أيتن عامر لنفس السبب.
وقالت رانيا ردا على السؤال: “البدلة مقفولة مفيهاش حاجة، وصور مش مكشوفة، أنا مش عارفة أنتم بتتكلموا على إيه، ده بشوفه فراغ وتضييع وقت وتسلية، فتمام اتسلّوا شوية”، حيث تلعب رانيا خلال مسلسل “جريمة منتصف الليل” دور راقصة تُدعى “ريري”، بينما ردت أيتن: “لو كده مانتفرجش بقى على مسلسلات خالص، المسلسل جريء وصادم مش عشان دوري بس والفن دوره أنه يسلط الضوء على المشاكل الاجتماعية”، وتقدم أيتن الدور في مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي”.
• لماذا الهجوم على دور الراقصة حاليا؟
يبدأ مسلسل الضوء الشارد، واحد من أبرز مسلسلات التلفزيون المصري، من تأليف محمد صفاء عامر وإخراج مجدي أبو عميرة، في الحلقة الأولى منه، مشهد مهم لرقصة “الغازية رئيسية” (سلوى خطاب) والتي يظهر من خلاله مدى ثراء عائلة سلطان العزايزي ومكانة رفيع الضخمة في العائلة (ممدوح عبد العليم)، ووسامة واختلاف شقيقه الأصغر فارس (محمد رياض)، وعلاقتهم المتوترة بشخصية وهبي السوالمي (يوسف شعبان).
وكانت بعض مشاهد الرقص محورية في بعض الأعمال، بل ووجزء من الأحداث يتكرر وفقا للضرورة الدرامية، كمشهد رقص رئيسة لوهبي المتكرر فيما بعد، ولذلك هناك علامة استفهام على تردد عبارات حول “الرقص في مسلسلات رمضان ” مؤخراً.
ويفسر الناقد جمال عبد القادر ذلك قائلا: “اعتقد ما يحدث هو مغازلة لشريحة من الجمهور والهوى السلفي الذي أصبح منتشرا في الوقت الحالة، وموجة ادعاء فضيلة وأخلاق، وهذه الموجة مشابهة لكلام الممثلين عن رفضهم القبلات وما شابه”.
وقالت فيروز كراوية كاتبة ومطربة وحاصلة على درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا الثقافية من الجامعة الأمريكية: “باختصار هذه التيمات خاصة التي تخص الممثلات النساء، مثل أسئلة العري والإغراء والجرأة، وكل التعبيرات المرتبطة بحدود اجتماعية معينة والفنانة تقوم بكسرها، جميعها تيمات قديمة جدا في الصحافة الفنية، حتى عندما أعود لتصفح المجلات القديمة الصادرة في عشرينيات القرن الماضي أجد نفس الأسئلة مكررة في الحوارات، هناك حالة من الكسل في تغيير هذه التيمات أو الاشتباك معها بشكل حقيقي، وهذا أمر طبيعي في مجتمعنا، ووضع الممثلات دائما ملتبس بين الفن والمجتمع، والصحافة الفنية دائما تستغل هذا التوتر بين الفنان ومجتمعه، ذات وجهين، تلعب دور المدافع عن الفنان والفن تارة، وتارة أخرى تستغل الفنانة من أجل الترافيك حاليا والتوزيع قديما عندما كانت الصحافة ورقية، وأصبح سؤال الراقصة مكرر مثلما كان سؤال هل تقبلين دور إغراء معاد، أسئلة يتم تدويرها في البرامج من أجل المشاهدات”.
• هل تتذكر سماسم أو نوسة عنبر؟
ذكر في بداية التقرير، أن هناك كثيرا من أدوار الراقصات قدمت في الدراما التلفزيونية، ومنها شخصية رئيسة المؤثرة في أحداث الضوء الشارد والتي لا يمكن نسيان الحلقة الأخيرة في المسلسل بسبب تشابكها مع حياة رئيسة والمؤامرة التي دبرها وهبي السوالمي لرفيع العزايزي واكتشافها بسبب رئيسة، وهناك أدوار كثيرة قدمت محفورة في الدراما المصرية، ونذكر منها:
شخصية “العالمة سماسم” في مسلسل ليالي الحلمية، والتي قدمتها الفنانة سهير المرشدي، وهي جزء من نسيج الحاضرة التي رسمه أسامة أنور عكاشة، وكتب شخصية العمال الثائرين وصاحب المقهى ابن البلد والفقراء والغلابة والمناضلين، وكتب شخصية الراقصة.
أما شخصية نوسة عنبر والتي قدمتها الفنانة معالي زايد، فقد ظهرت في مسلسل حلم الجنوبي، من تأليف محمد صفاء عامر، وهي جارة الدكتور لاشين (أبو بكر عزت) غير المتعلمة والفاقدة للثقافة العامة، كما رسمها عامر، ولكنها تؤمن بقضية نصر وهدان القط (صلاح السعدني)، ورحلة بحثه عن مقبرة الإسكندر الأكبر في مدينة الإسكندرية بعد اكتشافه البردية التي تفسر تفصيلا مكان المقبرة، وتحاول نوسة مساعدة دكتور لاشين ونصر.
وفي مسلسل الفرار من الحب، تلعب الراقصة نواعم (عبير صبري) دورا مهما في الأحداث الدرامية، ويقدمها محمد صفاء عامر، بشكل مختلف بعيدا عن نموذج المرأة التي تسعى وراء المال، وإنما هي شخصية تقع في الحب وتريد فعل أي شيء للوصول إلى حبيبها زكريا (رياض الخولي) حتى وإن بلغ الأمر أنها تسرق لكي تقدم له خدمة تجعله يتعلق بها.
وأحيانا اقتصر دور الراقصة على لعب أدوار الإغراء والإيقاع بالرجال، مثل شخصية لولا (هياتم) في مسلسل المال والبنون، ورئيسة (وفاء عامر) في مسلسل ذئاب الجبل التي سرقت أموال علوان البكري.
وتطور دور الراقصة في أعمال أخرى ليحمل أبعادا سياسية أيضاً، ومن أبرز هذه النماذج، شخصية مبسوطة التي لعبتها روبي في مسلسل بدون ذكر أسماء (2013)، حيث يرصد وحيد حامد رحلة صعود مجموعة من الشخصيات من الطبقات الدنيا إلى طبقة رجال الأعمال البارزين وسيدات المجتمع، بطرق غير شرعية وملتوية والكشف غير المشروع واللعب بفضائح المسؤولين والمشاهير، ومبسوطة هي فتاة متسولة بسيطة تتحول حياتها عندما تعمل مع نعناعة الراقصة والمطربة الشعبية (صفوة) وتصبح راقصة لامعة مع الوقت، وتصبح سيدة أعمال وفنانة مشهورة وتطلق على نفسها اسم فرحة وتتزوج من رجل أعمال ثري.
وقدمت رانيا يوسف شخصية راقصة من قبل في مسلسل عرض بموسم دراما رمضان 2016، حيث لعبت شخصية سنية عبده في مسلسل أفراح القبة، ولها مشهد رقص شرقي مشترك بينها وبين منى زكي، ويحمل المسلسل ذاته أكثر من مشهد به استعراض أو رقصة، وظهرت فيه منى زكي ببدلة رقص أيضا خلال أحد مشاهدها.