يعتبر المسحراتي في مصر من أحد أهم المظاهر الاحتفالية عند المصريين لارتباطه بشهر رمضان وانتشار تلك الظاهرة في ربوع مصر بمدنها وقراها ونجوعها، والمسحراتي أو المسحر مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمون ليلا بشهر رمضان لتناول وجبة السحور، وكلمة سحور وتسحر مشتقة من الوقت المتأخر من الليل، واشتهر المسحر بحمله لآلة للتنبيه كالطبلة أو المزمار أو الدف أو الباز لإيقاظ الناس لتناول السحور الذي حس على تناوله الرسول “ص” لما فيه من فضل وبركة، وكلنا يعلم حديث الرسول ” تسحروا فإن في السحور بركة “، وخيركم من عجل الفطور وأخر السحور.
وكان المسحراتي فيما مضى يعلن بآلته الإيقاعية عن موعد السحور ويقوم بأداء بعض الأدعية والابتهالات الدينية التي كانت تملأ القلوب لروعة الإيمان وجلال وهيبة الصيام وقداسة طعام السحور قبل آذان الفجر، ومع التطور والمدينة التي طرأت على المجتمعات كأساليب الإعلام الحديثة من قنوات فضائية وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الأساليب التي اعتمد عليها الإنسان لمعرفة مواقيته مما قلص إلى حد كبير من كثير من الظواهر الاحتفالية والفلكلورية التي كانت مرتبطة بالأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية وبخاصة في مصر، ورغم ذلك مازالت تلك المهنة منتشرة ونراها في رمضان في بعض الأحياء الشعبية بالمدن وبكثرة نسبية في الوجه البحري والصعيد، ويقال أن أول من ناد بالتسحير هو عتبة بن إسحاق سنة 228 هجرية بمصر وكان بحسب موسوعة الويكيبديا يمشي من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمر بن العاص وينادي الناس ويوقظهم للسحور، ويقال أن أول من أيقظ الصائمون بالطبلة هم أهل مصر عندما كان المسحراتية يطوفون شوارع المدينة أو القرية ليلا مرددين الابتهالات والأدعية عن طريق طبلة أو دف ويؤدون ضربات إيقاعية أعدت خصيصا للسحور برمضان، وكان المسحراتي يجول منطقته ولا يجوز له الدخول في منطقة أخرى تابعة لمسحراتي غيره، وكان من عباراتهم ” إصحى يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم، إصحى يا نايم وحد الرزاق، رمضان كريم ” وظل المسحراتي ولوقت طويل يعمل بلا أجرة ولكنه كان يحصل على أجره أول أيام العيد عندما يمر صباحا بطبلته فيقوم الناس مع فرحة الأطفال بتقديم الهبات المختلفة له من حلوى وكعك العيد ومن دقيق وقمح وذرة وأموال وغيرها من الخيرات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد.
ورغم وجود ظاهرة المسحراتي من قديم في مصر والعالم العربي والإسلامي فقد تطورت تلك الظاهرة ودخلت إلى الإذاعة المصرية في خمسينات وستينات القرن الماضي من خلال برامج إذاعية تراثية جميلة أعدت للمسحراتي في أواخر برامج الإذاعة بالبرنامج العام ليلا ومن خلال ملحنون ومطربون مشهورون استطاعوا بأعمالهم تلك أن يربطوا الصائمون بهذا البرنامج ليلا حتى أصبح مشاركا أساسيا لمسحراتي الشوارع لإثراء المظاهر الفلكلورية والاحتفالية لشهر رمضان الكريم وكان من أشهرهم المسحراتي للسيد مكاوي وأشعار فؤاد حداد وسوف يكونوا لنا معهم موضوع مقبل عن تلك الظاهرة التي تعتبر من أروع ما أنتجته الإذاعة المصرية عندما طورت فكرة المسحراتي وحملته وظائف وطنية وسياسية واجتماعية مختلفة لخدمة قضايا الأمة إضافة إلى الوظيفة الترويحية والفنية ثم الدينية في المقام الأول.