نعود في هذه الحلقة إلى عام 1992، عندما عرض الجزء الأول من مسلسل المال والبنون، وهو من الأعمال التي يمكن اعتبار أسماء شخصياتها رمزا يدل على حالة فية مختلفة بالإضافة إلى كونها أسماء علامة في مشوار كل فنان شارك في المسلسل، ومنها عباس الضو وسلامة فراويلة والسُحت والقَص وبيسة ويوسف الوريث وفريال، وهي من ميزة مرتبطة بالأعمال القديمة نوعا ما، لأن الجمهور يتذكر ويستحضر في مخيلته اسم الشخصية وتفاصيلها بمجرد مرورها أمامه.
وسلامة فراويلة ذلك التاجر الماهر، صاحب محلات الذهب، رجل الخير والبر، في العلن، كما رسمه المسلسل، ولكن في الخفاء له أفعال أخرى، منها السرقة، والتزوير، والخيانة، وهذه الشخصية هي حكاية حلقة اليوم.
سلامة فراويلة.. سُلطة المال وشراء النفوس
حقق مسلسل المال والبنون عندما عرض –خاصة الجزء الأول- نجاحا كبيرا، وكانت شخصياته المتنوعة بأسمائها المميزة علامة من علامات دراما رمضان، عرض في مارس عام 1992، وكان طقس مسلسل الساعة 7 على القناة الثانية في ذلك الوقت واحد من أبرز سمات العصر، حيث تتجمع العائلة لمشاهدة المسلسل المُقرر عرضه.
وسلامة فراويلة هو قطب من أقطاب المسلسل، حيث يدور الصراع، بينه وبين عباس الضو –عبد الله غيث- حول السر القديم الذي أخفاه الضو عن الجميع وهو سرقة فراويلة للآثار التي امتلكها تاجر أجنبي الجنسية، وهو شخصية رمادية مُحيرة، رسم تفاصيلها الكاتب محمد جلال عبد القوي.
سلامة فراويلة وأمواله هي الاختبار، الذي تحاول الحكاية تقديمه، اختار عباس الأبناء والمال القليل والأهم التربية الصالحة، بينما أراد سلامة تحقيق كل شئ، حيث يقدم نموذج الإنسان الذي يريد الاستحواذ على جميع ملذات الدنيا، المال الوفير والبنون أصحاب المناصب العليا والتعليم الجيد، لذلك كان يتملكه الغضب كلما شعر أن كلام عباس الضو سوف يتحقق وأن أولاده لن يكونوا أفضل من أبناء عباس –وتحديدا يوسف- وكان يسعى لكي يجعلهم أفضل بأي ثمن، حتى وإن أنقذ ابنه من جريمة قتل بدفع شخص آخر بالاعتراف بالجريمة بدلا عنه.
رغم ميل الكاتب محمد جلال عبد القوي إلى الخطابة والمباشرة في أغلب أعماله، إلا أن الجزء الأول من المسلسل لم يتحمل جرعة زائدة من الحوارات الخطابية الطويلة، وخاصة في رسمه لشخصية سلامة، الذي لا تستكيع أن تكرهه أو تعتبره شخصية شريرة بمفهوم البطل المؤذي طول الخط، يعيش أزمة منتصف العمر مع حبه القديم أم رقية، ثم ينتقل إلى بيسة الفتاة الفقيرة –حبيبة القص- يقيم موائد للرحمن ويوزع اللحوم والمال على أهل الحي الذي عاش فيه، ويتصدق ويعطف على الجميع، ولكن لعنة المال الناتج عن تجارة الآثار تطارده.
هناك تأويل آخر يذهب له البعض حول شخصيات مسلسل المال والبنون، خاصة مع وجود دلالات على هذا التفسير، “حيثأن نهاية عصر الحاج سلامة فراويلة بعد سرقة كنزه غير الشرعي عقب يوم 5 يونيو عام 1967 مباشرة، وكأنها إشارة إلى انهيار نظام جمال عبد الناصر الناتج، والثاني ظهور السحت وعودته إلى الحارة في إشارة إلى صعود أفراد من الطبقة الدنيا إلى الطبقات العليا صعودا سريعا ناتجا عن أموال غير معلوم مصدرها أو تجارة غير شرعية خلال فترة الانفتاح “، كما فسره الكاتب محمد قريش في كتابه “مسلسل الساعة 7.. زمان قبل نتفلكس”.
وعلى الرغم من اختفاء شخصية سلامة في الجزء الثاني، فقد بقى أثره حاضرا بقوة، لأن الصراع الذي دخل فيه أبنائه فوزية وفريال وفريد وفهمي بسبب المال هو في الأساس السبب فيه، حيث لازمت صفة السرقة والاختفاء ماله في يد كل من يملكه، من فوزية إلى زوجها منعم وغيرهم، وظل هذا المال الاختبار الذي وقع فيه كثيرين من شخصيات المسلسل.
أدى شخصية سلامة فراويلة الفنان الراحل يوسف شعبان، أحد الممثلين البارزين في الدراما التلفزيونية وقد قدم شخصيات متنوعة كثيرة، ورغم نجاح شخصية حافظ رضوان في أجزاء الشهد والدموع التي سبق وقدمها شعبان وتشابهها مع شخصية فراويلة في حبه للمال وصراعه مع أبنائه من أجل التفوق على الجميع، إلا أن شعبان استطاع تقديمها بشكل مختلف ومميز بعيدا عن التكرار.