يُعتبر العصر المملوكي في مصر 1249: 1517 من أزهى العهود التي شهدت إحياء سلاطين المماليك للفنون والعمارة وحب العلم والعلماء والميل إلى التقوى والورع وحب الخير والتقرب إلى الله بكثرة الأعمال الخيرة كبناء المساجد والمآذن ودور العلم والزوايا والأضرحة وأماكن تناول الطعام للفقراء ” الخنقاة “، والمشافي والمصحات، وأظهروا كذلك ذوقا رفيعا في العمارة والتحف والفنون بكل أشكالها تفوقوا فيها على الدول الأوروبية ولهذا يعد عصر المماليك من أمتع العصور في تاريخ مصر لما اتصف به من الغرائب واحتوى عليه من المتناقضات.
وفي عهد المماليك بلغت العناية بالاحتفال بشهر رمضان حد لا يوصف تفوقوا فيه على من سبقهم وجاء بعدهم بسبب كثرة العادات والتقاليد المرتبطة بالشهر الكريم حتى كانت ليالي رمضان غاية في الأبهة والفخامة، وقد وصفت مصر في عهدهم بسحر الشرق لأنه كان عصر العلم والفن والأدب، بل عصر التدين لاهتمام سلاطين المماليك ومنهم قايتباي وبيبرس وبرقوق وقنصوه الغوري وأبو الدهب وغيرهم من السلاطين والأمراء والموسرين بالاحتفال بالمناسبات والأعياد الدينية وتدل العمارة التي تركوها على عظمة هذا الفن وذوقه الرفيع في حينه، وقد اهتم المماليك بالمظاهر الاجتماعية وعرفوا حياة الترف والنعيم والبذخ حتى جاءت احتفالاتهم بمظاهر رائعة وبخاصة في شهر رمضان كاستطلاع الهلال عندما كان يجتمع الفقهاء من خلال منارة مدرسة المنصور قلاوون بالنحاسين وعند ثبوت الهلال يعودون مع المقربين من أصحاب المهن والطوائف حاملين الفوانيس والشموع التي تتزين بها القاهرة بأزهى أنواع الزينات ثم تعلن الطوائف الصيام، وبعدها يجلس السلطان في الميدان تحت القلعة ويتقدم إليه القضاة الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وكبار رجال الدولة لتهنئته بدخول شهر رمضان.
وقد ارتبط شهر رمضان في عهد المماليك بالكثير من المظاهر الاحتفالية ومنها إقامة المراسم الدينية وإحياء الليالي في الأضرحة ولدى الأولياء وإقامة ليالي السهر وانتشار التزاور بين الناس وانتشار الأطعمة المميزة التي كانوا يعدونها لهذا الشهر كالكنافة والقطايف، وكانت الحلوى الرمضانية تباع بأنواعها المختلفة في سوق الحلاوين، وتباع الشموع في سوق الشماعين وإعداد السحور ومدفع الإفطار ورؤية الهلال والاحتفال الخاص بليلة القدر التي كان يقام لها احتفال كبير يحضره السلطان أو الوالي والقضاة والعلماء ومشايخ وطلاب الأزهر ويتم خلالها توزيع الجوائز، ويؤثر عنهم أنهم أول من فكر في قراءة صحيح البخاري من اليوم الأول في رمضان بالجامع الأزهر ويتم ختمه في العشر الأواخر من الشهر الكريم أو في ليلة العيد يحضره السلطان والقضاة الأربعة ويتم توزيع الخلع والهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهر والأيتام والأرامل والمرضى والمهاجرين، ويقال أيضا أنهم أول من رصدوا في حجج أوقافهم العقارات والأطيان الزراعية وخصصوا من ريعها جزءا للصرف منه في شهر رمضان على وجوه البر والإحسان وتعمير المساجد ولإقامة الشعائر الدينية ومساعدة الفقراء والأرامل والأيتام ثم جزءا آخر للأئمة وخطباء المساجد وطلبة العلم ومشايخ التصوف، كما اعتاد سلاطين المماليك إعتاق ثلاثين عبدا في رمضان، وكانوا أول من استخدم المشكوات التي تميزت بالفن والثراء الزخرفي الذي لا يضاهيه فن في الإضاءة ليلا وبخاصة إضاءة المساجد طوال ليالي شهر رمضان، وقد اشتق اسم مشكاة من القرآن الكريم، وخلال الشهر الكريم عبر عهود المماليك كانت تقدم كميات كبيرة من الأطعمة والمأكولات المختلفة وتقدم إلى الشعب كالدقيق والسكر والياميش والذبائح التي كان يتم توزيع معظمها على الفقراء والمساكين، وكانت تنتشر خلال الشهر الكريم أيضا الأسمطة وموائد الرحمن أمام المساجد وفي بيوت الأمراء من أجل الفقراء، ومن أشهر السلاطين الذين ضربوا مثالا في الخير وحب الإنفاق السلطان بيبرس والسلطان برقوق الذي كان ميالا للبر والإنفاق ويوزع الذبائح على الفقراء والمحتاجين، وقد بلغ كمية السكر التي قدمت من جانب السلطان محمد ابن قلاوون سنة 775 هجرية 3000 قنطار تم توزيعها على الفقراء والمحتاجين ليصبح المماليك ورثة الدولة الأيوبية ومن قبلها الفاطمية أشهر من أدخل الكثير من المظاهر الاحتفالية للمناسبات الدينية في مصر وبخاصة في شهر رمضان ظل الكثير منها باق في مصر وبخاصة في القاهرة وأحيائها التراثية والشعبية إلى يومنا هذا.