تعد “كسوة العيد” مظهر ثابت من مظاهر احتفال المصريين بالعيد على مدار قرون مضت، وتدل مؤلفات المؤرخين على أن تلك الكسوة عادة تعود جذورها إلى زمن الخلافة الإسلامية في عصور بني أمية وبني العباس.
وكان الحكام وقتها يأمرون بتوزيع “الخلع” (لباس جديد) على موظفي الدولة قبيل الاحتفال بعيد الفطر، وذلك حتى يظهر موكب الخليفة وهو في طريقه لصلاة العيد ومن حوله الموظفين ورجال الدولة في صورة لائقة، مزدانا بتلك الملابس الجديدة الزاهية.
وبحسب المصادر التاريخية، اهتم الفاطميون بكسوة العيد، وحرصوا على توزيعها قبل نهاية شهر رمضان استعداداً لموكب عيد الفطر حين يذهب الحاكم لآداء صلاة العيد في موكب بهيج.
ويروي الباحث حسن عبدالوهاب في كتابه “رمضان” الصادرة عن دار القلم بالقاهرة، أن الفاطميين اهتموا بختام شهر رمضان وقدوم عيد الفطر بنفس قدر اهتمامهم بقدوم شهر الصوم، وأن خلفاء الدولة الفاطمية بالغوا في الاحتفاء بقدوم شهر رمضان وعيد الفطر بأشكال متنوعة من الاحتفالات، حتى أن عيد الفطر عندهم صار هو “الموسم الكبير”، الذي توزع فيه كسوة العيد على العامة والخاصة حتى صار اسمه “عيد الحلل” أي الكسوات الجديدة.
وتُسجّل المصادر التاريخية أن الفاطميين أسسوا ما عُرف بـ “دار الكسوة” التي كانت مهمتها تجهيز الملابس الجديدة لكل العاملين بالدولة بداية من الوزير مروراً بكل موظفي الدولة، وكان الفاطميون يرون في عيد الفطر مناسبة يُحسن فيها الناس هيأتهم ويأخذوا خلالها زينتهم عند كل مسجد.
وفي كتابه “رمضان زمان”، الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، يشير الدكتور أحمد الصاوي، على أن المسؤول عن “دار الكسوة” كان يعرف بـ “صاحب المقص”، وهو مُقدّم الخياطين، ولرجاله مكان يقومون فيه بالخياطة والتفصيل، وهو يعمل وفق الأوامر الصادرة إليه من الخليفة وحسب ما تدعو إليه الحاجة ويحمل إلى دار الكسوة ما يعمل من نسيج وملابس من دور الطراز الحكومية التي تُنتج النسيج.
ويقول الصاوي إن تلك الدور كانت تنقسم إلى نوعين “دار طراز العامة” وهي تصنع منسوجات تباع في الأسواق أو تهدى لموظفي الدولة في المواسم والمناسبات، و”دار طراز خاصة” وإنتاجها موقوف على الخليفة وآل بيته فقط.
ووفقا لما تنقله المصادر التراثية وكتب المؤرخين، كانت الدولة آنذاك تخصص ميزانية ضخمة للإنفاق على كسوة العيد، وبلغ ما أنفقته الدولة على تلك الكسوة في عام 515 هجرية 20 ألف دينار ذهبي، صنعت بها ملابس من الحرير الموشى بالذهب والديباج الملون من القطيفة والقطن والكتان المطرز وأقمشة أخرى.
وكانت الأوامر التي تصدر لدار الكسوة تقضي بضرورة توصيل الكسوات إلى أصحابها قبيل ليلة العيد، حتى إذا ما خرج الخليفة لصلاة العيد يكون موكبه أشبه بكرنفال للملابس الجديدة الزاهية الألوان والتي يرتديها الأمراء وموظفو الدواوين والجنود وكافة أصحاب الرواتب في الدولة.
وتعددت طرق زخرفة المنسوجات التي كانت تصنع منها كسوات العيد قديماً، فشملت الصباغة والتلوين والتذهيب والتطريز والطبع والزخرفة المنسوجة.
وتنوعت الأزياء التي كان يرتديها المصريون، بحسب الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها أصحابها، أو الوظائف التي يعملون بها وإن اتفقت جميعها في توخي الاتساع والاحتشام، ولا فرق في ذلك بين أزياء الرجال وأزياء النساء، ورسم أعضاء الحملة الفرنسية والرحالة الذين كانوا يفدون لمصر من بلدان أوروبا الكثير من تلك الملابس التي اشتهر بها المصريون قبل قرون مضت.
وعلى مدار القرون الماضية وحتى اليوم، يحرص المصريون بمختلف طبقاتهم الاجتماعية على شراء “كسوة العيد” التي كانت وما تزال مظهراً رئيسياً بين مظاهر احتفالات المصريين بالعيد على مر العصور.