يبدو أنه بالأمس فقط كان يبلغ تعداد سكان ولاية كاليفورنيا الأمريكية نحو 40 مليون نسمة. بعد ذلك ترك المزيد من الأشخاص الولاية. الآن عدد سكان الولاية لم يعد حتى قريبا من 39 مليون نسمة.
وذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز أن مكتب الإحصاء الأمريكي ذكر في مارس الماضي أن تعداد سكان كاليفورنيا حتى يوليو الماضي تراجع إلى نحو 38 مليونا و 965 ألفا. وهذا يمثل انخفاضا بواقع 75 ألفا و400 شخص خلال عام، كما أنه أقل بواقع 573 ألف شخص مقارنة بذروة عدد سكان الولاية الذي بلغ 5ر39 مليون نسمة خلال عام 2020.
وكان من المتوقع في بداية القرن، عندما كان يبلغ تعداد سكان كاليفورنيا 34 مليون نسمة، أن يصل عدد السكان إلى 45 مليون نسمة بحلول 2020 ونحو 60 مليون بحلول 2040.
ويتدفق المواطنون للخروج من الولاية الذهبية. وتسارعت وتيرة الخروج في عهد حاكم الولاية جافن نيوسوم.
وهذه المشكلة ربما لن يتم ذكرها في خطاب حالة الولاية الذي سوف يدلى به نيوسوم- في حال أدلى بهذا الخطاب هذا العام. وقد مر بالفعل ثلاثة أشهر على التوقيت التقليدي الذي يدلى فيه الحكام خطابهم السنوي الذي ينتظره الكثيرون.
ويكره نيوسوم الادلاء بخطابات معدة مسبقا. ولكنه يحب الترويج لكاليفورنيا. ولا يتوافق فرار المواطنين من الولاية مع روايته الاعتيادية التي تفيد بأن جميع الأمور على ما يرام.
على كل حال، فإن حقيقة أن نيوسوم يشغل منصب الحاكم في الوقت الذي يفر فيه المواطنون من الولاية يعد أمرا من قبيل الصدفة بصورة كبيرة. ومن المؤكد أن قرارات السياسة العامة للولاية ساعدت في تحفيز بعض المواطنين على المغادرة. ولكن من المحتمل أنهم كانوا سيغادرون بغض النظر عن من يشغل منصب الحاكم.
فقد أصبحت كاليفورنيا كبيرة جدا بالنسبة لقدراتها الاستيعابية. وقال هانز جونسون، العالم الديموغرافي في معهد السياسة العامة غير الحزبي في كاليفورنيا ” شهدت الولاية نموا كبيرا وفي النهاية لم يعد هناك مكان”.
وتعد الهجرة من الولاية السبب الرئيسي لتراجع تعداد سكان في كاليفورنيا. ولكن هناك أسباب أخرى أيضا.
فقد بدأ المواليد الذين ولدوا ما بين 1946 و 1964، في ظل ذروة المواليد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في الوفاة. وأطفالهم وأحفادهم لم ينجبوا أطفالا بعدد كاف ليحل محلهم.
وكان معهد السياسة العامة قد ذكر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن ” معدل الخصوبة في كاليفورنيا تراجع بصورة أسرع من بقية الولايات “. وأضاف المعهد ” خلال عام 2008، بلغ المعدل أعلى من المتوسط الوطني (15ر2) . وبحلول عام 2020، تراجع المعدل لأدنى سابع مستوى (52ر1)”.
كما فاقمت جائحة كورونا من حصيلة الوفيات، خاصة بين كبار السن. وارتفعت حالات الوفاة في كاليفورنيا إجمالا بنسبة 19% خلال عام 2020 بالمقارنة يالعام الماضي.
وكانت الجائحة قد أغلقت افتراضيا الهجرة الأجنبية إلى كاليفورنيا، التي كانت الدافع الرئيسي لنمو السكان لعدة أعوام. فعندما انتشرت جائحة كورونا، تم فرض قيود على تأشيرات الدخول للحد من انتشار الفيروس.
وقال جونسون إن الهجرة القانونية وغير المنظمة ارتفعت منذ جائحة كورونا ” ولكنها لم تصل إلى المستويات السابقة- أو حتى قريبة منها”.
وأضاف” كاليفورنيا لم تعد المقصد المفضل كما كان الحال من قبل”.
ويشير جونسون إلى أن أحد الأسباب هو أن معدل المواليد في المكسيك تراجع بصورة كبيرة، كما أن سوق العمل أصبح أقل تنافسية. فقد أصبح عدد أقل من المكسيكيين يتوجهون إلى الشمال بحثا عن العمل، على الرغم من أن الكثير من المقيمين بأمريكا الوسطى يسعون للجوء، في معظم الأوقات في ولايات أخرى.
والأمر الآخر- وهو الأمر الذي لا يتعمق فيه علماء الديموغرافيا عادة هو: أن سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب كانت بصفة حاصة تقمع الهجرة غير القانونية، ولكن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن خففت القيود المفروضة عليها.
وقال جونسون ” السبب الأكبر لنقصان عدد السكان هو خروج السكان من كاليفورنيا” مضيفا” لقد تباطأت وتيرة الخروج، ولكننا ما نزال نفقد مئات الآلاف الذين يذهبون إلى ولايات أخرى”.
ولكن لماذا يغادرون؟ السبب الرئيسي هو أن تكلفة المعيشة في كاليفورنيا مرتفعة، خاصة بالنسبة للإسكان.
بلغ متوسط تكلفة الإسكان في كاليفورنيا نحو 800 ألف دولار في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو أكثر من ضعف المبلغ الذي يتم دفعه في ولاية تكساس ويبلغ 336 ألف دولار، بحسب بيانات سوق ريدفين للاسكان. وفي ولايتي آريزونا ونيفادا، بلغ متوسط تكلفة الإسكان 435 ألف دولار و 479 ألف دولار على التوالي. وهذه تعد الولايات المفضلة للمغادرين من كاليفورنيا.
وأشار جونسون إلى أنه خلال جائحة كورونا، بدأ الأشخاص الذين يتمتعون بتعليم مرتفع ولديهم فرصة للعمل عن بعد في مغادرة كاليفورنيا حيث يمكنهم العثور على مكان للسكن بتكلفة معتدلة والقيام بوظيفتهم في منازلهم بدلا من القيام برحلة لمسافات طويلة للوصول لمكان العمل.
كما بدأ الأشخاص أصحاب الدخل الأكثر ارتفاعا في المغادرة إلى ولايات مثل تكساس ونيفادا، حيث أنها لا تفرض ضرائب على الدخل. ويشار إلى أن كاليفورنيا لديها أعلى نسبة ضريبة على الدخل تبلغ 3ر13%.
ويتمثل أحد سبل جعل كاليفورنيا ولاية جاذبة مجددا هو تقديم ميزة، نجحت بصورة جيدة لأجيال حتى أصبحت الولاية جشعة في السبعينيات: وهي مجانية التعليم في الجامعات لسكان كاليفورنيا. وهذا من شأنه على الأقل منع خروج أصحاب العقول الفذة.