ولّى شتاء غزة أخيرا، بعد أن عانى نازحو القطاع خلاله الأمرين بسبب أجوائه الباردة وهطول الأمطار مع رشقات الصواريخ والقصف المتواصل.. لكن ما إن زال الجليد الذي كاد يجمّد أطرافهم، حتى أخذهم الطقس إلى فصل جديد من المعاناة بملامح مختلفة.
صمد أهل غزة أمام قسوة برد شتاء القطاع القارص، حتى هزمته شمس نهار صيفه التي بزغت مبكّرا لتحوّل زمهرير الأمس إلى جحيم جعل خيامهم الهشّة أشبه بأفران تلتهم أجسادهم المنهكة من طول أمد الحرب.
خانقة ولا تُطاق.. بهذه الكلمات، وصف النازح محمد أبو ربيع في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) الوضع داخل خيمته التي نصبها على عجل تحت ضغط القصف والنزوح لتؤويه وأسرته.
وأضاف: “قبل شهر من الآن، كنّا نعاني من البرد والأمطار، إذ نعيش في خيام لم تحمنا في فصل الشتاء؛ لكنّ معاناتنا الآن كبيرة في ظل الأجواء الحارّة، وكأن الخيمة تمتصّ أشعّة الشمس وتصبّها على أجسادنا”.
أما النازحة أمّ علاء، فقالت “نشعر أنّ الخيمة مشتعلة. الأجواء حارة جدا، ونحن الكبار لا نستطيع تحمّلها، فكيف الحال بالصغار… في السابق، عندما كانت درجات الحرارة ترتفع، كانت لدينا بدائل إما بالاستحمام أو تشغيل وسائل التبريد. أمّا الآن، فلا خيار أمامنا سوى أن نبقى داخل الخيام”.
• ليس الحرّ فقط
النازح أبو مصطفى سلامة قال بدوره إنه يبقى وزوجته مستيقظين ليراقبا أطفالهما خشية تعرضهم للسعات الحشرات “التي انتشرت بشكل كبير مع ارتفاع درجات الحرارة”.
وأضاف في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي: “في بعض الأحيان، نستخدم الورق لإطلاق نسمات الهواء على الأطفال، كوننا نشعر بعدم قدرتهم على النوم في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ونقوم بتبليل رؤوسهم لنخفّف عنهم الحرّ قدر المستطاع”.
أمّا الشاب أحمد اللحام، فمعاناته مضاعفة كونه لديه مشاكل صحيّة في الجهاز التنفسّي، قائلا: “في السابق كنت أتناول أدوية الحساسية والتزم المنزل خلال ساعات النهار وارتفاع درجات الحرارة؛ أمّا الآن، فلا مكان لنا سوى الخيام التي تمتص أشعّة الشمس وتفرغها في أجسادنا”.
المسنّ عبد اللطيف بركات قال بدوره “لم نتوقع أن نعيش ما نحن فيه الآن؛ أمراض ودرجات حرارة مرتفعة، دون ماء ولا طعام، في ظل كثافة سكانيّة كبيرة… الوضع في الخيام مأساويّ، لا خصوصية ولا يمكن التحرك بسهولة؛ ففي كل خيمة عائلة أو أكثر، وتزداد الحياة اليوميّة صعوبة مع ارتفاع درجات الحرارة”.
• وضع وبائّي
من جهته، اعتبر رئيس الرابطة الطبية الأوروبيّة الشرق الأوسطية في روما فؤاد عودة أن الوضع الوبائي والصحي في قطاع غزة أصبح “في غاية الصعوبة والخطورة”.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي: “الأمراض المعدية في انتشار كبير في قطاع غزة، كون الظروف لا تسمح بمقاومة انتشارها، حيث لا يوجد أطباء متخصصون كفاية لتقديم العلاج ولا مستلزمات طبية ولا مستشفيات ولا مياه نظيفة ولا طعوم منتظمة كذلك، سواء للكبار أو الصغار”.
أضاف: “ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير ينعكس على الوضع الصحيّ للنازحين، حيث إنّه يقلّل قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المعدية. وكذلك الظروف في الخيام مأساوية”.
وتابع “لا يمكن مقاومة الانتشار الكبير للأمراض. كما أن الاكتظاظ لا يساعد على عمل برنامج وقاية؛ فالعدد الكبير للنازحين داخل الخيام وعدم توفّر أدوات النظافة الشخصيّة يُساعد على انتشار الفيروسات”.
وأشار عودة إلى أنّ أكثر الأمراض انتشارا في الوقت الحالي هي أمراض جهاز المناعة والجهاز التنفسّي والجهاز الهضمي والتهاب الكبد الوبائي، في ظل ضعف المناعة، خاصة في الأجواء الحارة وفي ظل سوء التغذية والكثافة السكّانيّة.
ووصف عودة قطاع غزة في الوقت الحالي بأنه “المكان الأخطر في العالم فيما يتعلق بانتشار الأمراض المعدية والأوبئة بالتزامن مع بدء فصل الصيف”.