بدأ عرض فيلم “civil war” في السينمات المصرية منذ 25 أبريل الجاري، وبالتوازي مع ذلك فقد خطف الفيلم الأنظار في السينمات الأمريكية، وحقق حتى الآن 70 مليون دولار عالميا بعد طرحه بأسبوع واحد فقط.
وأصبح فيلم “Civil War” واحدًا من أكثر الأفلام المستقلة ربحًا، بعد أسبوعين من إطلاقه، بعد فيلم “Everything Everywhere All at Once ” للمخرج دانييلز الحائز على جائزة الأوسكار “143 مليون دولار”، وفيلم “Hereditary” للمخرج آري أستر “79 مليون دولار”، وفيلم “Lady Bird” للمخرجة جريتا جيرويج “78 مليون دولار على مستوى العالم”.
وبلغ إنتاج الفيلم 50 مليون دولار، لذا فهو أغلى فيلم تنتجه شركة A24 للترفيه حتى الآن، وهو أول فيلم لـA24 يتصدر شباك التذاكر المحلي، وظل الفيلم رقم 1 بشكل مثير للإعجاب لمدة عطلتي نهاية أسبوع متتاليتين، وفقا لمجلة variety.
وتفسر الصحفية السينمائية والمراسلة روبيكا روبين ذلك، أنه نظرًا للموضوع الذي يتمحور حول الولايات المتحدة، لم يكن من الواضح أن الفيلم سيتردد صداه في شباك التذاكر الدولي، لكن فيلم “الحرب الأهلية” نجح في جذب الجماهير في الخارج، حيث حقق أكبر نسبة إقبال في المملكة المتحدة، 4.8 مليون دولار، وتليها هولندا، حيث حقق 750 ألف دولار، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وافتتح الفيلم في المركز الأول في العديد من أسواق السينما الأصغر، مثل البرازيل محققا 1.2 مليون دولار، وإسبانيا 573.659 دولار، وبلجيكا 205.253 دولار، وفنلندا 180.435 دولار، والبرتغال 126.129 دولار.
كما حصل الفيلم على تقييمات إيجابية على منصات التقييم العالمية، مثل: imdb7,8/10 و82% على rotten tomatoes ، وهو من تأليف وإخراج أليكس جارلاند، وبطولة كريستين دانست، وفاغنر مورا، وكايلي سبايني، وجيسي بليمونز.
-هل يعكس الفيلم احتراق أمريكا
تدور أحداث الفيلم حول اندلاع حرب أهلية بين حكومة الولايات المتحدة “الاستبدادية” وفقا لسياق الفيلم الدرامي والفصائل الإقليمية المختلفة، تكساس وكاليفورنيا وفلوريدا، ويزعم الرئيس، الذي يقضي فترة ولاية ثالثة متجاوزا القانون والدستور، أن النصر قريب، رافضا الاعتراف بالحالة السيئة التي وصلت لها البلاد.
وفي هذا السياق المشتعل، تقرر المصورة الصحفية لي “كريستين دانست” ومعها زميلها المراسل الحربي جويل “فاغنر مورا” أن يخوضا رحلة وسط أهوال القتال إلى البيت الأبيض في العاصمة لإجراء حوار مع الرئيس الذي يتوقع أن يُقتل خلال أقل من شهر على يد أحد الفصيلين المتمردين.
ويضم الفريق أيضا كلً من الصحفي العجوز سامي “ستيفن ماكينلي هندرسون” وهو أستاذ لي، وجيسي “كايلي سباني”، والتي تطمح إلى احتراف التصوير الصحفي ولديها خبرة قليلة في هذا العمل، لذلك تعرض حياتها وحياة من حولها للخطر دائماً بسبب تهورها واندفاعها، وايضاً لتعرضها إلى صدمات متتالية.
ويلعب مخرج الفيلم بشريط الصوت منذ اللحظة الأولى في الفيلم، فهو يعتمد على خلق حالة من التناقض أحيانا كثيراً، بين الواقع والحالة الحقيقية التي تعيشها الشخصيات، ويظهر ذلك من المشهد الأول، حيث يقف رئيس الولايات المتحدة يتحدث عن اقتراب النصر، وحوله حالة هدوء تام، لا يوجد صوت تقريبا إلا صوته رغم اشتغال القتال في الخارج، لكي يدلل المخرج على أن هذا الرجل لا يسمع إلا صوت ذاته فقط وينكر كل ما يحدث خارج البيت الأبيض، واستخدم أيضا التناقض في مشاهد أخرى، بينما يحدث انفجارات وقتل وأشخاص يسقطون غرقى في دمائهم تكون الموسيقى عبارة عن مزيج بين الحيوية والنشاط وكأنه مشهد راقص في ملهى ليلي، كما في أغلب الأوقات يخفي صوت الشخصيات أثناء الصراخ ونرى وجوههم فقط وكأنها تتمزق من الحزن أو الصدمة.
ويضع الفيلم الولايات المتحدة في حالة مساواة مع دول أخرى كثير خاضت الحرب الأهلية، ويظهر ذلك من خلال ذاكرة الصحفية لي، التي تتذكر جميع الأحداث التي غطتها في دول الشرق الأوسط، كما يظهر ذلك في الحوار أيضاً على لسانها عندما تقول: “كنت دائما أسعى لنقل ما يحدث هناك كتحذير لكي لا نصل مثلهم لنفس النقطة”.
لا يركز الفيلم على الحرب الأهلية في الولايات الأمريكية فقط، وإنما أيضاً على حياة المراسل الصحفي الحربي، وكيف يمكن أن يصل إلى وجه ممتلئ بالوجوم لا يتفاعل مع الدماء أو القتل، بل كل هدفه الصورة الصحفية والتصريح، والمخاطر التي يتعرض لها، وكان في إمكان المخرج اختيار أي مكان آخر كمسرح للأحداث لكي يعرض ذلك، لكن الأمر متشابك، فهو أراد طرح خطين دراميين يتقاطع كل منهما مع الآخر، ويطرح الكثير من التساؤلات، هل أمريكا بعيدة عن الحرب الأهلية؟ ما هي مدى وحشية وهمجية كثير من المواطنين الأمريكيين؟ ما مدى عنصريتهم أيضاً؟ ونلاحظ ميل صناع العمل إلى إبراز قسوة كثير من الشخصيات ووحشيتهم، مثل التي تفجر تجمعاً لأشخاص يبحثون عن الماء من بينهم أطفال، وآخر من الميليشات الذي يقتل الناس ويرمي بهم إلى مقابر جماعية، وتحديداً غير الأمريكيين أو ذوي البشرة السمراء، وقد قتل المراسلان الصينيان في لحظة بمجرد علمه بجنسيتهم، وهو واحد من أقسى المشاهد المُنفرة والمقززة في الفيلم، حيث نرى يديه تراكم عليها الدماء وأصبحت كتلاً ومع ذلك يحك أنفه بيده وعينيه غير عابئ بالأمر، وقد وصف هذا المشهد تحديدا بـ “الأصدق والأفضل في الفيلم” من قبل الناقد البريطاني أولي ويلش في مقال لمجلة polygon.
ويطرح الفيلم أيضاً تساؤلات عن الصحافة ومهنة المراسل الحربي، وإلى مدى يتأثر الانسان في هذه المهنة، لدرجة قد تصل إلى التفكير في التصريح الصحفي أولا بعيداً عن الآخرين، ومدى تضررهم، لذلك خلق المخرج مشهد نهاية صادم لغير العاملين في هذه المهنة، حيث من الصعب أن يتفهم الجمهور مدى أنانية هذه المهنة وأيضا اندفاع البعض فيها من أجل كلمة واحدة تمثل تصريحا مدويا فيما بعد.
حصل الفيلم على كثير من المراجعات النقدية الإيجابية، حيث كتبت Lovia Gyarkye من The Hollywood Reporter: “مع دقة وطول تسلسلات المعارك العنيفة، من الواضح أن الحرب الأهلية تعمل كنداء واضح، ويتحول الفيلم إلى آلة استثنائية ذاتيًا، تدفع الأمة إلى كابوس من خلال هذا الفيلم، وهو يدق ناقوس الخطر، ويتساءل بشكل أقل عن الكيفية التي تسير بها دولة ما بشكل أعمى نحو تدميرها، ويتساءل أكثر عما يجري عندما يحدث ذلك”.
وعبرت مانوهلا دارجيس من صحيفة نيويورك تايمز نفس الشعور، فكتبت: “نادرًا ما رأيت فيلمًا جعلني أشعر بعدم الارتياح الشديد أو شاهدت وجه ممثل، مثل وجه دونست، يعبر عن مرض روح الأمة بشكل واضح لدرجة أنه بدا وكأنه شعاع”.