استضاف مركز الإبداع الفني بساحة الأوبرا، أمس الأحد، أمسية بعنوان” “زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي”، وذلك ضمن سلسلة اللقاءات الشهرية” أرواح في المدينة” التي ينظمها الكاتب الصحفي محمود التميمي، والتي بتوثيق تطور المجتمع المصري عبر إعادة قراءة الأحداث والتاريخ ومن خلال الأرشيف المصري مكتوب وبصري ومسموع.
واستضافت الأمسية الدكتور نزار الصياد، المؤرخ العمراني والأستاذ بجامعة بركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، وعبد العظيم فهمي مدير ومؤسس مبادرة سيرة القاهرة، وحسن حافظ، الباحث بالتراث وعضو المبادرة، فضلا عن الدكتور عصام صفي الدين، المعماري البارز ومؤسس بيت المعمار المصري.
وقال الكاتب الصحفي محمود التميمي، بعد أكثر من عامين على انطلاق” أرواح في المدينة” تطورنا في تناول الموضوعات وتوسعنا في الاهتمامات؛ لكن الاستقرار كان على قاعدة ومفهوم ثابت هو متابعة تغيرات المدينة ومجتمعها، وهو ما يتقاطع مع أحد أفكار نجيب محفوظ الذي نحتفل به في تلك الأمسية، فأشهر عبارة جاءت روايته “أولاد حارتنا” كانت “آفة حارتنا النسيان”، فمشروعنا ينطلق من مقاومة النسيان ونوع من أنواع الدرس وليس فقط الاحتفال الفج والأجوف.
وتابع التميمي بحديثه ،عن بدايات نمو فكر وعي نجيب محفوظ وذلك مع تفتح أعينه على مشاهد ثورة 1919 وهو في أول سنوات الطفولة، تكون وعيه في لحظة انتقال فكرة من صورة صراع” الفتوات” بين بعضهم البعض في الشارع، إلى صورة مختلفة من المواجهات بين جبهة شعبية ووطنية تقاوم محتل، لذا نشأ نجيب محفوظ ابنًا للقضية الوطنية الجامعة.
المحلية طريق محفوظ لنوبل
وواصل التميمي ، فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل ووصوله للعالمية ،جاءته نتيجة لانغماسه في المحلية والتعبير عن مجتمعه ولم يتبع في ذلك أساليب مبتذلة أو استخدام لمفردات الشارع، بل كان إبداعه في أن جعل من الحارة ومكوناتها ومشاهد صراعاتها عالمًا وكونًا بأكمله، فصورة قباب أضرحة الأولية كانت في بعض الأحيان تمثل تعبيرًا عن العدل الإلهي، وصراعات الفتوات كان رمزية عن ما يدور بين القوتين المسيطرتين على النظام الدولي( أمريكا وروسيا).
ثلاثية فرعونية
وتطرق التميمي لانطلاقة تجربة نجيب محفوظ الأدبية الممثلة في رواياته الثلاث الأولى؛ «عبث الأقدار» 1939، «رادوبيس» 1943، «كفاح طيبة» 1944، والتي كشف محفوظ عن السبب في ذلك التوجه والتأثر بالروح الفرعونية في تجاربه الأولى في أحد لقاءاته التلفزيونية؛ حيث أرجع ذلك لمعايشته اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في عام 1922، والذي كان حدثًا ضخمًا انعكس على كافة أبناء جيله من الشباب في ذلك الوقت.
وأضاق التميمي، أنه كان للحدث الذي جرى ومصر في قبضة الاحتلال، أعادت للمصريين فكرة العودة لجذورهم التاريخية الحافلة بأمجاد، كما أن التضييق البريطاني على الصحافة في نشر تفاصيل ذلك الاكتشاف أكسبه طابع أنه جولة أخرى في مقاومة الاحتلال.
انتكاس حلم ثورة 1919
وأشار التميمي إلى أن تأثر نجيب محفوظ بثورة 1919 امتد في كثير من الأعمال الروائية، فتجسد ذلك من خلال شخصية” فهمي” ابن السيد عبد الجواد، الطالب الجامعي المتشبع بالروح الوطنية الذي وضعه كأنبل أفراد الأسرة، وبالمقابل كان الأب السيد أحمد عبد الجواد الذي ورغم نزواته وعبثه، كانت صورة الزعيم سعد زغلول تزين حائط دكانه، ما يؤكد بأن الفكرة الوطنية كانت نافذة ومثل سعد زغلول صورة الزعيم الاستثنائي.
وواصل محفوظ تتبعه لتاريخ الثورة، مع محطات انحرافها عن أهدافها وصعود نخبة سياسية جديدة مع الثلاثينات وذلك في روايته “القاهرة الجديدة” التي تحولت لفيلم سينمائي باسم ” القاهرة 30″، وعبرت عن حالة الفساد السياسي التي وصلت إليه البلاد رغم أن من بين النخبة الحاكمة من كانوا ضمن الوفد المصري ورفاق سعد زغلول في منفاه (إسماعيل صدقي) حدث الانقلاب على دستور 1923 وخرجت الحركة الطلابية في احتجاجات ضخمة سقط من بينهم مجموعة من الشهداء.
تم تكريمهم بعد ذلك من خلال تمثال شهداء الجامعة الذي نحته الفنان فتحي محمود، وهو مصنوع من سبيکة البرونز ويوجد على جانبيه لوحتين برونزيتين، يصور هذا النصب صورة تمثال لسيدة ترتدي ثوباً کلاسيکياً ويعلو رأسها تاجاً ذو نمط فرعوني ممسكة في يدها اليمني إکليلا من الغار کرمز للنصر، کما تمثل أيضا أما لجامعة القاهرة أول جامعة حديثة في مصر، وخلفها کتاب ضخم من الجرانيت الوردي يمثل سجل الشهداء. ويوجد على جانبي القاعدة الجرانيتية لوحتان برونزيتان منفذتان بالنحت البارز تمثلان ثورة طلبة الجامعة ضد الاستعمار، ونضالهم في سبيل نيل الاستقلال والحرية.
وأكد التميمي أن نجيب محفوظ لم يكن يتبن وجهة نظر في أعماله الأدبية بل يضعها جميعً أمام قارئه، ففي رواية المرايا جاءت أحد المواضع بالحديث عن تطوير مشروع كورنيش الإسكندرية في فترة وزارة إسماعيل صدقي باشا، ونجد أحد الشخصيات يشيد بذلك الإنجاز ويقدر الجهد الحكومي في تجميل وجه المدينة، لكن يأتيه الرد من شخصية أخرى بعبارة شديدة الذكاء وخفة الظل:”لا يعيش الإنسان بالكورنيش وحده”.
وعرض التميمي صورة أرشيفية لإعلان تجاري عن يظهر به صورة تمثال سعد زغلول بجانبه سيارة فارهة ما يعد تراجعًا لرمزية سعد زغلول واستهلاكها لمكاسب مادية وربحية.
وفي ختام الأمسية جرى عرض الفيلم ق التسجيلي “قاهرة بين القصرين” من فكرة وتوثيق الدكتور نزار الصياد الذى يوثق للتغيرات العمرانية التى طرأت على قلب مدينة القاهرة بمنطقة بين القصرين فى الفترة من العصر الفاطمى إلى العصر العثماني عن طريق استخدام الواقع الافتراضى ودمجه بشكل تخيلى لاستكمال ما هو غير مكتمل بالصورة الحقيقية، ويسرد الفيلم للتغيرات والتطورات التى طرأت على هذه المنطقة التى تعج بنماذج معمارية فريدة متنوعة بين العصور الفاطمى والمملوكى والعثماني، وسرد الفيلم للقاهرة فى عيون الرحالة أمثال ابن بطوطة وابن سعيد والمقريزي، فيعد الفيلم كتاب تأريخ معمارى للقاهرة الإسلامية وما خلفته من منتج معمارى فريد بكل تفاصيله جذب العالم كله له، الفيلم من إنتاج الجمعية الدولية لدراسة البيئات التقليدية التراثية بالتعاون مع الباحثين عبدالعظيم فهمى وحسن حافظ وإخراج هشام عبدالحميد.