روبرت بشارة: اخترت سينما يوسف شاهين موضوع كتابي الجديد لأني أردت تعريف القراء الأمريكان بالسينما الخاصة به
– المصير هو فيلم سيرة ذاتية يستخدم التاريخ كنوع أدبي للإدلاء برؤية سياسية حول الحاضر والمستقبل
– سينما شاهين هي سينما مناهضة للاستعمار
-انتقد الأصولية ومؤيد للعلمنة
– فيلم “المهاجر” مُنع بسبب اتهام شاهين بتجسيده قصة حياة النبي يوسف
يشغل المبدعون المصريون حيزاً كبيراً من الدراسات البحثية الأكاديمية في مجالات مختلفة، ومن بين هؤلاء المخرج المصري يوسف شاهين، الذي يعد مُنجزه الإبداعي في مجال الإخراج محل اهتمام، سواء في مصر أو أوروبا، حيث تعرض أفلامه في فرنسا وعدد من دول القارة، والجديد هو فتح مجال للحديث عن “جو” في الأوساط الأكاديمية الأمريكية من خلال الكتاب الحديث الذي أعده الأكاديمي المصري الأمريكي روبرت بشارة بعنوان “Transmodern Cinema and Decolonial Film Theory: A Study of Youssef Chahine’s al-Masir/ السينما العابرة للحداثة ونظرية أفلام ما بعد الكولونيالية.. دراسة في فيلم المصير للمخرج يوسف شاهين”.
روبرت خيري بشارة، لديه عدد من المؤلفات التي تهتم بنقد ما بعد الاستعمار، والتحليل النفسي، منها: “التحليل النفسي لإنهاء الاستعمار: نحو دراسات نقدية حول الإسلاموفوبيا”، وكتاب “مقدمة نقدية لعلم النفس”، ويعمل أستاذاً مساعداً في علم النفس والعلوم الإنسانية في كلية شمال نيو مكسيكو.
وفي حوار مع جريدة “أخبار مصر” تحدث عن أسباب اختياره لسينما يوسف شاهين وفيلم المصير وسينما ما بعد الاستعمار:
-أود سؤالك عن سبب اختيار يوسف شاهين كـ”موضوع” لكتابك الجديد؟ هل يمكن القول أن هناك حالة تعلق بأفلامه؟
اخترت التركيز على سينما يوسف شاهين لأنه أحد أبرز المخرجين في العالم العربي، ومع ذلك فهو بالكاد معروف في الولايات المتحدة، حيث أعيش ويوجد عملي الأكاديمي، وبالتالي، أردت تعريف القراء الناطقين باللغة الإنجليزية بالسينما الخاصة به، باعتبارها نموذجًا جيدًا للسينما المصرية أو الشمال إفريقية، ويهدف الكتاب إلى تقديم منهجية جديدة لقراءة السينما غير الأوروبية بشكل عام، وفيلم “المصير” هو دراسة حالة واحدة.
لقد نشأت في مصر، وبالتأكيد كنت أحد المعجبين بسينما شاهين، واتذكر أن من أوائل الأفلام التي شاهدتها على الشاشة الكبيرة كان فيلم “إسكندرية كمان وكمان”، والذي عرض عام 1989، ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص على مشاهدة جميع أفلام شاهين في دور السينما، لن أنسى أبدًا مشاهدة عرض فيلم “الآخر” عام 1999 مع والدي، أو النقاشات المعمقة الهادفة التي كنت أجريها مع الناس حول فيلم “المصير”.
أنتج شاهين أفلامًا متطورة وذات أسلوب سينمائي مميز، وسينماه حظيت أيضًا بقبول واسع النطاق، وكان يهتم بحصول رواد السينما من الطبقة العاملة على تجربة ممتعة، كانت صيغة شاهين السينمائية تجمع بين الترفيه ورفع إحساسنا بالتقدير السينمائي.
-ما هو سبب اختيارك لفيلم المصير تحديداً من بين الكثير من أفلام شاهين؟ وهل كان “المصير” اختيارك الأول؟
اخترت “المصير” لعدة أسباب: أولاً لكونه فيلم شاهين الأكثر شعبية في أوروبا، لذلك اعتقدت أنه سيكون خيارا جيدا لتحويل القراء الناطقين باللغة الإنجليزية إلى سينما شاهين في الولايات المتحدة، ثانياً هو فيلم سيرة ذاتية يستخدم التاريخ كنوع أدبي للإدلاء برؤية سياسية حول الحاضر والمستقبل، بمعنى آخر لا يتعلق الأمر بالماضي فحسب، بل يتعلق بكيفية تفسير الماضي لليوم، وثالثاً لأن الفيلم يدور حول الفيلسوف الإسلامي ابن رشد، وبالتالي يزودنا بأدلة حول الشكل الذي قد يبدو عليه التنوير العربي اليوم أو في المستقبل.
وفي البداية أردت أن يتناول الكتاب فيلم “يد إلهية”، إنتاج عام 2002، للمخرج الفلسطينى إيليا سليمان، لكن لم تلق هذه الفكرة قبولاً جيدًا من المُشرف الخاص بي، وتفسيري ربما لأن الفكرة تتعامل مع موضوع حساس وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم انتقلت إلى التفكير في فيلم “إسكندرية ليه” ولكن شعرت أنه غامض جدًا بالنسبة للقراء الناطقين باللغة الإنجليزية، وبعد محادثة مع المشرف، استقرينا على فيلم “المصير” باعتباره فيلمًا مهمًا، وهو أيضًا موضع اهتمام الأوروبيين نظرًا لتأثير ابن رشد على المدرسة اللاتينية ولاحقًا في عصر النهضة.
-هل حدثت نقاشات بينك وبين المخرج خيري بشارة حول اختيار فيلم “المصير”؟
أجريت نقاشين مع والدي وقد ذكرتهما في مقدمة الكتاب، الأول حول علاقة والدي بشاهين، الذي كان أحد أساتذته في المعهد العالي للسينما، والأمر الثاني يتعلق بقصة أغنية محمد منير “علي صوتك بالغنا”، التي كتبت في الأصل لفيلم لوالدي لم يتم إنتاجه، كان بعنوان ” طعم الحياة”، وعلى الرغم من أن شاهين ووالدي كانا متنافسين ودودين في سوق سينمائي واحد خلال الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن شاهين لم يكن يعرف قصة الأغنية، لذلك لم يكن مقصوداً اختياره لها كتصرف تنافسي.
-ما هي علاقة شاهين في وجهة نظرك بـ “النظرية السينمائية ما بعد الكولونيالية”؟
يمكن وصف سينما شاهين بأنها مناهضة للاستعمار، وعلق العديد من العلماء على التزام المخرج بهذا الأسلوب، وأخرج شاهين العديد من الأفلام السياسية، منها “جميلة” عام 1958، و”الناصر صلاح الدين” عام 1963، و”الأرض” عام 1969، و”العصفور” عام 1973.
كانت سينما شاهين تؤدي دائما نقدا مزدوجا: نقد الاستعمار الأوروبي والأيديولوجية القومية العربية، وأعني بالأيديولوجية القومية العربية ذلك النوع من الأيديولوجية التي تغطي الصراع الطبقي في المجتمعات العربية باسم هوية واحدة، أو ثقافة واحدة، أو لغة واحدة، أو دين واحد، وهناك سمتان، الأصولية والاستبداد، تميزان هذه الأيديولوجية، وعلى هذا النحو، يمكننا أن نقرأ سينماه على أنها سينما ما بعد الاستعمار، وسينما إنهاء الاستعمار “ضد الاستعمار”، وبالمثل، فبينما رفض القومية العربية باعتبارها مشروعًا أحادي الثقافة محكومًا عليه بالفشل، كان متفائلًا بشأن الأممية العربية، أو التعاون السياسي والمادي بين الدول القومية العربية، والوحدة في التنوع.
-ما هي “أوجه التشابه بين يوسف شاهين وابن رشد” التي دفعتك لعقد المقارنة أو “التقريب” بينهما في كتابك؟
كان شاهين يفكر في أمور كثيرة حدثت بين عامي 1994 و1997، مما دفعه إلى اختيار ابن رشد موضوعاً لمشروعه السينمائي الجديد، أولاً، كان فيلمه السابق للمصير “المهاجر” عام 1994 مُنع بسبب اتهام شاهين بتجسيده قصة حياة النبي يوسف، وقد تركت تلك التجربة مع الرقابة مذاقاً مريراً في فم شاهين، ما دفعه إلى التماهى مع الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، ثانياً، في عام 1994، تعرض نجيب محفوظ، أهم كاتب في مصر وصديق شاهين المقرب، للطعن والتي أصابته في رقبته على يد أصولي “متطرف” لم يقرأ حتى روايته “أولاد حارتنا” التي زعم المحرضين أنها تدعو للكفر، وشخصية مروان التي لعبها محمد منير هي إشارة إلى محفوظ، وثالثاً، أصيب شاهين بخيبة أمل عندما علم أن محسن محيي الدين قرر اعتزال التمثيل لأن السينما تعتبر حراما من وجهة نظر الأصوليين “الجماعات الإسلامية”، ويمثل محيي الدين في الفيلم عبدالله “الذي يلعب دوره هاني سلامة”.
باختصار، “المصير” هو رد فعل شاهين السينمائي على صعود الأصولية في مصر والعالم العربي في التسعينيات في سياق انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان بمثابة تحول من الخوف الأحمر إلى الخطر الأخضر.
-هل يمكن اعتبار اختيارك لشاهين وابن رشد يرمز إلى اهتمام داخلي منك لنقد “التطرف”؟ وما سبب اهتمامك بهذه القضية وما هو مفهومك للتطرف؟
أنا بالتأكيد انتقد الأصولية ومؤيد للعلمنة “وليس أيديولوجية العلمانية”، العلمنة هي عملية ديمقراطية للتفكير فيما هو نسبي، بحسب تعريف المفكر والأكاديمي المصري مراد وهبة، ولقد قمت بترجمة كتاب مراد وهبة “الأصولية والعلمنة ” من العربية إلى الإنجليزية، فتأثرت بانتقادات الفيلسوف المصري.
كان كتاب وهبة الذي ترجمته بمثابة تدخل سياسي مشابه لكتاب شاهين ولكن في الفلسفة بدلاً من السينما، وهبة يقدر ابن رشد تقديرا عاليا ويعتبره جسرا ثقافيا بين العالم الأوروبي وغير الأوروبي، وعلى هذا فإن العلمنة لا تعني موت الأديان أو أنه يجب علينا تقليد النموذج العلماني المسيحي في أوروبا وأمريكا، ولكن تدور حول كيفية تفكيرنا في عالمنا المادي باستخدام الموارد المعرفية المتاحة لنا، والتي تشمل تقليدا غنيا من الفلسفة العربية الإسلامية التي غالبا ما يتم تجاهلها.
وأنا أتفق مع تعريف وهبة للأصولية، وهي التفكير في ما هو نسبي من الناحية المطلقة، ويعترف وهبة بضرورة وجود الحقيقة المطلقة، لكنه يرفض من يدعي الوصول المباشر إلى هذه الحقيقة، وهم الأصوليون أو حاملو الحقيقة المطلقة.
-لماذا اخترت نور الشريف “في شخصية ابن رشد” هو غلاف كتابك وليس يوسف شاهين؟
اخترت هذه الصورة لأن يمكن وصفها بالصورة الاستفزازية، واللقطة من نهاية الفيلم، بعد أن تقرر السلطات حرق كتب ابن رشد ونفي الفيلسوف وعائلته من قرطبة إلى لوسينا.
صورة النيران خلف ابن رشد تدل على الرقابة وهي تعليق على كيف يتذكر التاريخ المختلفون أياً كانت أفكارهم، التاريخ يتذكرهم لأنه كما يشير شاهين طوال الفيلم، “الأفكار لها أجنحة، ولا يمكن لأحد أن يمنعها من الوصول إلى الناس”، أحرقت محاكم التفتيش الإسبانية كثير من الكتب، وكذلك فعل النازيون، وما زالت الأفكار موجودة، وكذلك ابن رد مازال باقياً بأفكاره وفلسفته.
-هل هناك خطة أو نية لـ “ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية في القريب”؟
بالتأكيد أود ترجمة الكتاب من اللغة الإنجليزية إلى العربية، ولكن لم تعرض أي جهة أو دار نشر بعد هذا المقترح لكي يدخل حيز التنفيذ.