– رسولوف أعلن انضمامه إلى منفى «إيران الثقافى».. وحالة ترقب لفيلمه «بذرة التين المقدس» المنافس على «السعفة الذهبية»
– المخرج الإيرانى: أثناء التحقيق مع طاقم الفيلم طلبت منهم المخابرات الضغط علىّ للانسحاب من مهرجان كان وأنه تم التلاعب بهم للمشاركة فى العمل.
– رغم القيود الهائلة حاولت تحقيق رواية سينمائية بعيدة عن السرد الذى تهيمن عليه الرقابة فى وطنى
من جديد تشهد ساحة مهرجان كان السينمائى الدولى فصلا آخر فى صراع المخرج الايرانى الشهير محمد رسولوف مع السلطة فى بلده وإصراره على مواصلة رحلته مع تقديم أفلام وفق منهجه الخاص فى تناول قضايا اجتماعية ساخنة ومؤرقة.
المفاجأة هذه المرة هى هروب المخرج سرا إلى أوروبا فى رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود قبل العرض الأول لفيلمه الجديد «بذرة التين المقدس».
«The Seeds of the Wild Fig Tree» الذى ينافس فى مسابقة مهرجان كان الـ77 وربما ينال السعفة الذهبية.
غادر رسولوف إيران بعد الحكم عليه بالسجن ثمانى سنوات بتهم تتعلق بالأمن القومى وأكد أنه تمكن من مغادرة وطنه دون إذن رسمى، بعد الحكم عليه بالسجن والجلد بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأمن القومى.
وفى الأسبوع الماضى، وجدت المحكمة الإيرانية أن أفلام رسولوف المغلفة بالتوثيق هى «نماذج على التواطؤ بقصد ارتكاب جريمة ضد أمن البلاد». وجاء هذا الحكم قبل أيام من بدء مهرجان كان السينمائى.
وفى بيان صدر من مكان غير معلوم فى أوروبا، أكد المخرج البالغ من العمر 52 عاما نبأ رحيله السرى، ووصف القمع المروع الذى تعرض له فريقه فى إيران، وطلب من المجتمع السينمائى الدولى «الدعم الفعال».
وكتب رسولوف على صفحته على انستجرام : «أنا ممتن لأصدقائى ومعارفى والأشخاص الذين ساعدونى بلطف ونكران الذات، وأحيانا بالمخاطرة بحياتهم، على الخروج من الحدود والوصول إلى مكان آمن على الطريق الصعب والطويل لهذه الرحلة». وأشار إلى أنه ينضم إلى ملايين الإيرانيين الذين يعيشون فى منفى «إيران الثقافى» «بقلب مثقل» خارج «حدود إيران الجغرافية»، قبل أن يضيف موجها رسالته لهم أن الإيرانيين فى المنفى «ينتظرون بفارغ الصبر دفن نظامكم القمعى فى أعماق التاريخ».
وفى تفاصيل البيان قال رسولوف: «وصلت إلى أوروبا منذ بضعة أيام بعد رحلة طويلة ومعقدة. منذ شهر تقريبًا، أخبرنى المحامون أن حكم السجن لمدة ثمانى سنوات قد تم تأكيده فى محكمة الاستئناف وسيتم تنفيذه خلال مهلة قصيرة. مع العلم أنه سيتم الكشف عن أخبار فيلمى الجديد.. وسرعان ما علمت أنه بلا شك ستضاف جملة جديدة إلى هذه السنوات الثمانى. لم يكن لدى الكثير من الوقت لاتخاذ القرار. كان على أن أختار بين السجن ومغادرة إيران. بقلب مثقل اخترت المنفى. صادرت الجمهورية الإسلامية جواز سفرى فى سبتمبر 2017. لذلك اضطررت إلى مغادرة إيران سرا.
وأضاف: بالطبع، أعترض بشدة على الحكم الظالم الذى صدر ضدى مؤخرًا والذى أجبرنى على المنفى. ومع ذلك، فقد أصدر النظام القضائى فى الجمهورية الإسلامية العديد من القرارات القاسية والغريبة لدرجة أننى لا أشعر أنه من حقى تقديم شكوى بشأن الحكم الصادر بحقى. فى الوقت الحالى وأنا أكتب هذا، فإن مغنى الراب الشاب توماج صالحى محتجز فى السجن وقد حُكم عليه بالإعدام. لقد وصل نطاق وشدة القمع إلى حد الوحشية.
وأشار: قبل أن يتم إبلاغ أجهزة المخابرات الإيرانية بإنتاج فيلمى، تمكن عدد من الممثلين من مغادرة إيران. لكن العديد من الممثلين وعملاء الفيلم ما زالوا فى إيران ويمارس جهاز المخابرات ضغوطًا عليهم. لقد تم إخضاعهم لاستجوابات مطولة. وتم استدعاء عائلات بعضهم وتهديدهم. وبسبب ظهورهم فى هذا الفيلم، تم رفع دعاوى قضائية ضدهم، وتم منعهم من مغادرة البلاد. داهمت تلك القوات مكتب المصور السينمائى، وصادرت كافة أدوات عمله. كما منعوا مهندس الصوت الخاص بالفيلم من السفر إلى كندا. وأثناء التحقيق مع طاقم الفيلم طلبت منهم المخابرات الضغط على لسحب الفيلم من مهرجان كان. كانوا يحاولون إقناع طاقم الفيلم بأنهم لم يكونوا على علم بقصة الفيلم وأنه تم التلاعب بهم للمشاركة فى المشروع.
واستطرد فى بيانه: على الرغم من القيود الهائلة التى واجهتها أنا وزملائى وأصدقائى أثناء صنع الفيلم، إلا أننى حاولت تحقيق رواية سينمائية بعيدة عن السرد الذى تهيمن عليه الرقابة فى الجمهورية الإسلامية، وأقرب إلى واقعها. ولا يساورنى شك فى أن تقييد وقمع حرية التعبير لا يمكن تبريره حتى لو أصبح حافزا للإبداع، ولكن عندما لا يكون هناك طريق، فلا بد من شق الطريق.
ويجب على مجتمع السينما فى العالم أن يضمن الدعم الفعال لصانعى مثل هذه الأفلام. يجب الدفاع عن حرية التعبير بصوت عالٍ وواضح. إن الأشخاص الذين يواجهون الرقابة بشجاعة ونكران الذات بدلا من دعمها، يطمئنون إلى أهمية أفعالهم من خلال دعم المنظمات السينمائية الدولية. وكما أعرف من تجربتى الشخصية، يمكن أن يكون ذلك بمثابة مساعدة لا تقدر بثمن بالنسبة لهم لمواصلة عملهم الحيوى.
ساعد الكثير من الناس فى صنع هذا الفيلم. قلبى معهم جميعًا، وأخشى على سلامتهم وفى الوقت الذى قال فيه باباك باكنيا محامى رسولوف لوكالة فرانس برس: «أستطيع أن أؤكد أن محمد رسولوف غادر إيران وسيحضر مهرجان كان».
ومع ذلك، كان بيان من الموزعين الفرنسيين للمخرج أكثر حذرًا بشأن حضوره فى كان، مشيرا إن رسولوف «يقيم حاليًا فى مكان غير معلوم فى أوروبا، «نحن سعداء للغاية ونشعر بارتياح كبير لأن محمد وصل بأمان إلى أوروبا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر. ونأمل حضوره مهرجان كان».
وكان رسولوف مسار جدل كبير للنظام الايرانى، ويبدو أن توقيت الحكم الأخير عليه كان محاولة للضغط على مهرجان كان السينمائى لإزالة الفيلم من المهرجان.
رسولوف الذى تلقى جميع أفلامه نظرة نقدية على عواقب الحياة فى ظل الحكم الاستبدادى ليس غريبًا على مدينة كان، فقد عرض فيلم «وداعا» (2011)، و«المخطوطات لا تحترق» (2013)، و«رجل النزاهة» (2017) فى المهرجان..
وفى العام الماضى، دعا مهرجان كان رسولوف للعمل فى لجنة تحكيم «نظرة ما»، لكنه مُنع من مغادرة إيران.
وأخيرا فيلم «بذرة التين المقدس» وقد تم الاحتفاظ بهوية الممثلين وطاقم العمل بالإضافة إلى تفاصيل القصة والسيناريو الخاص بالفيلم طى الكتمان بسبب المخاوف من الأعمال الانتقامية من قبل النظام الإيرانى، كما أفادت التقارير أن السلطات الإيرانية مارست ضغوطًا على المخرج لسحب بذرة شجرة التين المقدسة من مهرجان كان بالكامل.
الفيلم إنتاج إيرانى ألمانى فرنسى مشترك، سيناريو وإخراج محمد رسولوف وبطولة سهيلة جلستين، ستاره ملكى،
مصاغ زاره، ومهسا رستم ، وفى قصته تعانى قاضية التحقيق «إيمان» من جنون العظمة وسط الاضطرابات السياسية فى طهران. عندما تختفى بندقية أحدهم، يشتبه فى زوجته وبناته، ويفرض إجراءات صارمة تؤدى إلى توتر الروابط الأسرية مع انهيار القواعد المجتمعية.
«العودة للماضى»
تم منع رسولوف من مغادرة إيران منذ عام 2017. وقضى عقوبة السجن من يوليو 2022 إلى فبراير 2023، وتم إطلاق سراحه مبكرًا بسبب العفو العام عن آلاف السجناء فى إيران بعد احتجاجات واسعة النطاق. وبعد وقت قصير من إطلاق سراحه، تم إخطاره بوجود قضية جديدة مرفوعة ضده، هذه المرة حول فيلمه «لا يوجد شر» (2020) الذى فاز فى غيابه القسرى بجائزة الدب الذهبى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى.
فى مؤتمره الصحفى الافتتاحى السنوى قبل المهرجان، أعلن المندوب العام لمهرجان كان، تييرى فريمو، عن رغبته فى أن يكون «مهرجانًا خاليًا من الجدل».