تسع سنوات من الحرب في اليمن، قطعت أوصال البلاد وقسمتها بين أطراف النفوذ العسكري لجماعة الحوثي والحكومة المعترف بها وحاصرتها بالحواجز، وأفرزت “موانئ” برية ونقاط تفتيش على الطرق البديلة والرئيسية، لتفرض الأطراف والسلطات المحلية على مداخل المحافظات والمدن “جمارك مزدوجة”.
أدت تلك الرسوم المزدوجة إلى اضطراب في الأسواق أسفر عن ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية، كما أثقلت كاهل المواطنين وأيضا القطاع الخاصّ الذي تحولت تجارته إلى رحلة عذاب لا تنتهي، بل تزداد تعقيدا مع كل يوم.
ويقول ياسر الحاشد، مدير الغرفة التجارية التابعة لوزارة الصناعة والتجارة في الحكومة المعترف بها دوليا، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن “الجمارك المزدوجة” و”الإتاوات” تحت مسميات مختلفة تعد واحدة من أدوات الابتزاز والجباية ونهب التجار دون سند قانوني.
ويؤكد المسئول الحكومي أن نقاط الجبايات والضرائب المختلفة المنتشرة على مداخل المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين تعد سببا رئيسيا في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، خاصة أسعار المواد الغذائية التي شهدت قفزة كبيرة غير مسبوقة.
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي وفيق صالح لوكالة أنباء العالم العربي، إن الجبايات الجمركية المزدوجة أدت إلى اضطراب في الأسواق التموينية وتباين الأسعار بشكل يعكس عملية التحصيل العشوائي للرسوم، وهو ما ضاعف أعباء تكاليف نقل السلع والمواد الغذائية ورفع الأسعار بشكل يفوق القدرة الشرائية للمواطنين.
وأوضح قائلا “استحداث جماعة الحوثي مراكز جمركية أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل جنوني، حيث يضطر التاجر الذي يدفع الرسوم إلى الحكومة المعترف بها، إلى دفعها مرة أخرى إلى الحوثيين وبطريقة مضاعفة، وهو ما يجعل عملية النقل الداخلي للسلع بين المحافظات هي الأعلى في العالم”.
وأضاف أن هذا الوضع انعكس سلبا على تضخم أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات، حيث يضطر التجار إلى تعويض خسائرهم وزيادة الأسعار.
منطقتان اقتصاديتان
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الجماعي لوكالة أنباء العالم العربي إن الحرب كونت ما يشبه منطقتين اقتصاديتين، الأولى في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في شمال وغرب البلاد والثانية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا بجنوب وشرق البلاد، مشيرا إلى أن اضطرابات الأسواق وتباين مصادر القرار وجهات الاستيراد الخارجي للمواد الغذائية جعلت اليمنيين يعشون أوضاعا صعبة، وظروفا مالية مرهقة.
ويضيف: “سكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها يتأثرون بغلاء أسعار السلع نتيجة تراجع أسعار العملة اليمنية وقلة المردود المالي؛ في الوقت الذي تظهر فيه العملة المحلية في مناطق سيطرة الحوثيين ثابتة شكليا، إلا أن ثبات أسعار العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، لم يفد سكان تلك المناطق أيضا”، لأنه ثبات شكلي وليس حقيقيا ولا يستطيع أن يفرض نفسه على الأسعار التي ارتفعت في واقع الأمر ارتفاعا جديدا.
وعلاوة على ذلك، يقول الجماعي، إن ازدواج الضريبة على الموردين سواء الذين يستخدمون موانئ الحكومة أو الذين يستخدمون ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الحوثيين، يزيد من التكاليف.
وأرجع السبب في ذلك إلى استحداث المراكز الجمركية على مداخل المحافظات التي تمر بها شاحنات النقل قادمة من الموانئ، معتبرا أن هذا يخالف ما وقعه اليمن من اتفاقات دولية وما أقرته القوانين الحديثة وتشريعات البلاد في النقل الداخلي.
ويرى الجماعي أيضا أن مشكلات النقل البري تؤثر بالتبعية على التاجر، رغم أنه يضيف أي كلفة جديدة على أسعار السلع، إذ أنه عموما سيتأثر طرديا مع تراجع القوة الشرائية للمواطنين.
وبحسب “مبادرة القطاع الخاص لحل مشاكل النقل في اليمن”، فقد لجأ المواطنون والتجار إلى اسـتخدام طرق فرعية بديلة غير معبدة مثلت أحد عوامل الاستنزاف اليومي للأرواح والموارد وساهمت أيضا في زيادة التكلفة.
تحديات كبيرة
ويواجه قطاع النقل في اليمن تحديات كبيرة نتيجة لتداعيات الحرب، برغم الهدنة المؤقتة وحالة اللاسلم واللاحرب، حيث لم تنعكس الهدنة على قطاع النقل ككل بشكل إيجابي.
ومن بين المشكلات التي حصلت على حلول مناسبة ضمن مشاورات أطراف الحرب بوساطة الأمم المتحدة سابقا أنها عملت على إعادة تشغيل ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي والسماح للسفن التجارية بالشحن والتفريغ فيه، واستئناف العمل في مطار صنعاء جزئيا.
ولا يزال قطاع النقل البري خارج أي تسوية، بحسب مبادرة حل مشاكل النقل، التي أشارت إلى أنه منذ العام 2016 لا تزال العديد من الطرق الرئيسية مغلقة، وجبايات نقاط التفتيش والمراكز الجمركية في مداخل المدن قائمة، بل وزادت نسبتها لتصل إلى 100 بالمئة على البضائع والسلع المستوردة من ميناء عدن، أو المنافذ التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا.
كما أن رسوم الجمارك في ميناء الحديدة أعلى بنسبة 25 بالمئة من رسوم الجمارك في ميناء عدن، لكن تكاليف شحن السلع والمنتجات برا من عدن إلى مناطق سيطرة الحوثي أعلى بكثير من تكاليف النقل البري من ميناء الحديدة إلى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها نتيجة تكاليف الجمارك المفروضة على النقل من قبل جماعة الحوثي.
وتعد تكاليف النقل في اليمن حاليا أعلى بخمس مرات مقارنة مع مستواها قبل الحرب، وذلك بسبب تحديات النقل الحالية في البلاد.
وبالإضافة لذلك، فقد زاد ارتفاع معدلات التضخم واستمرار انخفاض قيمة العملة اليمنية، الضغوط على أسعار السلع الغذائية التي سجلت مستويات لم يسبق لها مثيل.
ووضعت مبادرة القطاع الخاص حلولا لمشكلة النقل البري، تركزت في العمل بالتشريعات وقوانين النقل المعمول بها قبل الحرب بالإضافة إلى فتح الطرق الرئيسية بين المحافظات المغلقة بسبب الحرب وفتح المطارات والموانئ وإيقاف الضرائب المزدوجة.
كما أوصت بإلغاء الإتاوات والرسوم والجبايات غير الرسمية المفروضة حاليا وغيرها، وطرحت حلولا مقترحة متعلقة بالبنوك والنقل البحري وأوصت بإدراج مشكلة النقل البري ضمن ملفات المشاورات بين طرفي الحرب.