تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق اضطرابا في العالم، حيث تتشابك فيها الأزمات والصراعات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتشكل لوحة معقدة من النزاعات.
وبينما يتركز اهتمام المجتمع الدولي غالبا على الصراعات البارزة مثل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، توجد العديد من “الحروب المنسية” التي تهدد استقرار المنطقة بشكل كبير.
ويرى الباحث البريطاني البروفيسور كريستوفر فيليبس، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، إن تجاهل هذه الصراعات يمكن أن يؤدي إلى انفجارات جديدة للعنف ويعزز حالة عدم الاستقرار.
ويقول فيليبس الحاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية، والزميل ببرنامج الشرق الوسط وشمال أفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، إنه بينما يتركز الاهتمام العالمي على غزة وهجمات إيران على إسرائيل، مر السودان، الواقع إلى الجنوب القريب، بنقطة مؤسفة إلى حد كبير دون أن يلاحظه أحد الشهر الماضي.
فقد مر الآن أكثر من عام على اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقُتل الآلاف ونزح الملايين في صراع وحشي شهد انتشار الاغتصاب والنهب والتطهير العرقي على نطاق واسع.
ومع قدرة المجتمع الدولي المحدودة، يعد التركيز الضيق إلى حد ما على الأزمة الفورية في شرق البحر المتوسط أمرأ مفهوما، ولكنه ربما ليس حكيما.
ووصفت الأمم المتحدة السودان، بأنه أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة، ويمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة الهشة بالفعل في منطقة الساحل والقرن الأفريقي والبحر الأحمر.
وعلى الرغم من المحاولات التي بُذلت للتوسط في وقف إطلاق النار، لا توجد علامة على تقدم حاسم حقيقي، ومنذ الهجمات في 7 أكتوبر، تراجع السودان في قائمة الأولويات العالمية.
لكن السودان ليس الحرب المنسية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالهجمات الأخيرة على السفن في البحر الأحمر من قبل المتمردين الحوثيين من اليمن تُذكّر بأن الصراع هناك لم يُحل بعد.
وبحسب فيليبس، تسببت تلك الحرب في أكثر من 330 ألف وفاة، ورغم أن القتال تراجع منذ هدنة عام 2022، فإن السلام الدائم لا يزال بعيد المنال.
وكانت الآمال قد ارتفعت بأن الوفاق في مارس 2023 بين اثنين من الأطراف الخارجية الرئيسية، السعودية وإيران، قد يمهد الطريق لاتفاق دائم. ومع ذلك، فقد تعثرت هذه الآمال بسبب ضربات الحوثيين والردود الانتقامية من الولايات المتحدة.
وفي مكان آخر، تصدرت سوريا العناوين الرئيسية لاستضافتها ميليشيات مدعومة من إيران، والتي استهدفتها الولايات المتحدة وإسرائيل منذ بدء حرب غزة. وكان الهجوم الإسرائيلي على مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية في دمشق هو الذي دفع طهران إلى الهجوم بالطائرات المسيرة مؤخرا.
لكن سوريا نفسها لا تزال في حالة حرب أهلية، ورغم تراجع القتال بعد عام 2020، فإن الرئيس بشار الأسد يسيطر على أقل من ثلثي بلاده. وتحتفظ الجماعات المتمردة المدعومة من تركيا بأراض على طول الحدود الشمالية، بينما تسيطر القوات المدعومة من الولايات المتحدة على الشرق. وكما هو الحال في اليمن، تستمر التوترات وأعمال العنف المتقطعة، ومع عدم وجود محادثات سلام جادة في الأفق، يبقى التصعيد احتمالا واضحا.
ويرى فيليبس أنه يمكن قول الشيء نفسه عن ليبيا، حيث توقفت الحرب الأهلية منذ التوصل إلى هدنة في عام 2020.
وقد أبدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في البداية اهتماما بدفع جهود المصالحة بين حكومة طرابلس والإدارة المتمردة في الشرق، لكن أوكرانيا والآن غزة حولتا الاهتمام عن مثل هذه المبادرات.
و يضيف فيليبس، أنه لا تزال التوترات عالية في الدول التي شهدت حروبا أهلية في الماضي والتي قد تشتعل مرة أخرى. فلبنان في حالة تأهب قصوى في مواجهة الأزمة الاقتصادية المستمرة، ناهيك عن خطر أن يقوم حزب الله، بجر البلاد إلى حرب أخرى مع إسرائيل.
واعتبر فيليبس، أن العراق لا يزال هشا، وغالبا ما تزداد حالته سوءا بسبب القضايا المتعلقة بمستقبل قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في السياسة والمجتمع. وعلى مسافة أبعد، فإن الصومال، بعد أن تمتع بفترة من الاستقرار النسبي بعد عقود من الصراع، قد اهتز بسبب استيلاء رئاسي حديث على السلطة قد يجدد الصراعات الداخلية.
وكما انفجر العنف الإسرائيلي الفلسطيني في أكتوبر 2023 بعد سنوات من الهدوء النسبي، فإن أيا من هذه الحروب المنسية لديه القدرة على الانفجار في أي وقت. هذه الصراعات وغزة ليست حوادث معزولة بل جزء من نسيج مترابط من عدم الاستقرار الإقليمي.
ويرى فيليبس أن كل هذا له دوافع داخلية مماثلة للنزاع مثل المظالم الداخلية غير المحسومة وضعف مؤسسات الدولة وإرث عقود من الحكم السيء.
واعتبر أن هذه النقطة الأخيرة تساعد في تفسير لماذا تظل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق المليئة بالنزاعات في العالم. ويقول إن الحرب في غزة سلطت الضوء مرة أخرى على العداء العميق لإيران تجاه إسرائيل، لكن طهران بعيدة عن كونها الحكومة الوحيدة في المنطقة التي تستغل الصراعات القائمة كميادين لتحقيق مصالحها.
ولا يزال الشرق الأوسط عبارة عن مجموعة من النزاعات المتعددة والمتداخلة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة مثل غزة. وقد يشعر المجتمع الدولي بأن هذا ليس من مسؤولياته، على الرغم من أن العديد من الجهات الفاعلة الغربية إلى جانب روسيا والصين قد اضطلعت بدور في كثير من الأحيان.
وعلى غرار غزة، تشكل هذه الحروب تهديدا إذا تركت لتتفاقم.
ومع ذلك، حتى لو كانت الحكومات الغربية بريئة من التدخل، فإنها لا تزال مهتمة بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية حلفائها.
ويرى فيليبس أن توجيه حتى جزء بسيط من الموارد الدبلوماسية والإنسانية والاقتصادية الإضافية التي تم وضعها في حرب غزة نحو أي من هذه المناطق القابلة للاشتعال سيكون خطوة أولى معقولة.
ويقول إنه من غير المحتمل أن تكون غزة المرة الأخيرة التي يشتعل فيها النزاع في هذه المنطقة المضطربة بشدة. لقد فوجئ المجتمع الدولي في 7 أكتوبر.
ويخلص فيليبس إلى أنه يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ هذه الدروس بعين الاعتبار، وأن يكون حذرا من الحروب المنسية الأخرى في الشرق الأوسط قبل أن تنفجر هي أيضا.