تعرض سينما زاوية الفيلم المثير للجدل، الذي أثار حفيظة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، the apprentice للمخرج الإيراني الدنماركي علي عباسي، حيث يصور الفيلم ترامب في مرحلة شبابه وتحوله من شاب خجول لا يفقه التصرف بمفرده إلى رجل شديد النرجسية، ونقطة التحول هذه هي جوهر العمل.
حصد الفيلم منذ عرضه تقييمات إيجابية على منصات تقييم الأفلام، ومنها 81% على Rotten Tomatoes، و10/7.3 على IMDB، و64% على Metacritic، وعلى الرغم من التقييمات الجيدة إلا أنه حقق 4 ملايين دولار فقط إجمالي إيرادات في شباك التذاكر، وكانت ميزانيته قد بلغت 16 مليون دولار.
عُرض فيلم The Apprentice لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في مايو الماضي، وهو من بطولة سيباستيان ستان في دور دونالد ترامب، وجيريمي سترونج في دور المحامي الماكر روي كوهن، ويركز الفيلم على علاقتهما التي أدت إلى تحول شخصية ترامب.
بعد إصدار الفيلم في دور العرض السينمائي، تعرض The Apprentice لانتقادات لاذعة من الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري الحالي دونالد ترامب، ووصفه بأنه “مزيف ومثير للاشمئزاز” على حسابه على منصة Truth Social.
يتتبع الفيلم رحلة ترامب المبكرة، بدءًا من “دوني الصغير”، الابن الثاني الضعيف أمام الأب المتسلط الذي يسخر منه أغلب الوقت، ولكن يجد دونالد الصغير شخصية أب ثانية في المحامي اليميني روي كوهن، ولقد شكلت الدروس المستفادة من معلمه، وهي الخداع والتهديد والغرور والحاجة إلى الفوز بأي ثمن، ترامب الذي نعرفه اليوم.
استخدم عباسي كل أدواته السينمائية بصفته مخرج العمل للتعبير عن هذه العلاقة الثنائية وتحولاتها، زوايا الكاميرات التي تنتقل من كون ترامب تابع لـ روي، ثم روي تابع لـ ترامب، لتعبر عن مركز القوة داخل الكادر، وإدارة جيدة للممثلين للتعبير عن تحولاتهما الشخصية من خلال لغة التعبير الجسدي لكل منهما، ترامب (ستان) الذي يبدو متردداً في حديثه ولا يستطيع صياغة جُمل قوية، ويحتاج دعما لكي يعبر عن ذاته، وترتجف يده أثناء الحديث قليلاً، ويمشي خلف روي أغلب الوقت -في النصف الأول من الفيلم- يصبح فيما بعد رجلاً يتناول منشطات لكي لا ينام ويحافظ على استيقاظه لكي يعقد صفقات، ينظر باشمئزاز لمن حوله، يجلس بغطرسة على الكرسي، وكانت حركة الشعر ملازمة للشخصية منذ البداية، وهي من العلامات الحركية البارزة في شخصية ترامب.
هذا التحول جاء بفضل روي كوهن الذي لقن ترامب القواعد الثلاث للنجاح وهي “الأولى: الهجوم، الهجوم، الهجوم، الثانية: عدم الاعتراف بأي شيء، وإنكار كل شيء، الثالثة: ادّعِ النصر دائمًا، ولا تعترف بالهزيمة أبدًا”، وأثناء سماع ترامب لهذه النصائح يركز عباسي على فهمه وعينيه بزوايا تصوير قريبة وكأنه فرخ حديث الولادة يطبع على أمه؛ فابتلع حكمة كوهن كاملة وحولها إلى شخصية فيما بعد، وفي المشهد الأخير من الفيلم يردد ترامب هذه القواعد الثلاث، ويصف نفسه أنه ولد بها وينظر إلى خارج مكتبه حيث مدينة نيويورك ونرى المدينة من داخل عين ترامب حيث تغوص الكاميرا داخلها.
يظهر الفيلم جوانب شخصية ترامب ومحاميه ووالده الأصلي العنصرية، خاصة على مستوى الحوار، ففي أكثر من موضع يبرز كرههم لشرائح مختلفة من المجتمع الأمريكي واضطهادهم للفقراء والعمال وذوي البشرة السمراء، وتلاعبهم وابتزازهم لشخصيات مهمة في المجتمع بهدف الحصول على تسهيلات مالية فيما يخص مشاريعهم.
كما يكشف الفيلم نظرة المجتمع الأمريكي في الماضي القريب إلى الأشخاص “مثلي الجنس”، وكيف كانت هذه النظرة تتلخص في الاشمئزاز منهم وأن هذا الأمر تهمة بالنسبة لهم، لذلك ظل روي ينكر طول حياته أنه مصاب بالإيدز حتى لا يُعرف أنه رجل “مثلي الجنس”، وهذه النظرة الفاحصة على هذا الجانب تبرز التحول الضخم في السياسة الأمريكية التي أصبحت تدعم وتشجع هذا التوجه في الوقت الحالي.
كُتبت كثير من المراجعات النقدية عن الفيلم، والتي أشادت بالأداء التمثيلي في الفيلم ومستوى إخراجه، وأيضاً ركز بعض علماء النفس على تحليل الفيلم من الجانب الخاص بهم، لأنه يتناول شخصية أثير حولها الجدل كثيراً فيما يخص النرجسية وتضخم الذات.
حيث كتب لي جون كيرلي، محاضر في علم النفس بجامعة جلاسكو كالدونيان، ” المتدرب هو فيلم مثير للتفكير ومرعب يصور دونالد ترامب في شبابه من طفل ساذج ومرن إلى رجل أعمال بارد ومظلم ونرجسي، خلال الفيلم، يلتقي ترامب بمعلمه وأبيه روي كوهن، يشكل كوهن تلميذه الصغير ويعلمه قواعد الحياة الثلاث، وقوة الخداع والتضليل، فإنني كخبير في علم النفس أذهلني مدى كمال تصوير الفيلم لبعض الجوانب المظلمة في علم النفس البشري”.
وأضاف كيرلي أن الأبحاث النفسية أبرزت في السنوات العشرين الماضية أن بعض سمات الشخصية تشير إلى الجانب المظلم من السلوك البشري، مثل التلاعب القاسي، والشعور المتضخم بأهمية الذات، والافتقار إلى التعاطف، وقد وجد علماء النفس ديلروي بولهوس وكيفن ويليامز أدلة تشير إلى وجود ثلاث سمات شخصية، تُعرف الآن باسم “الثالوث المظلم”، والتي تجسد الجوانب الأكثر ظلاماً في علم النفس البشري، وهذه السمات الثلاث هي الماكيافيلية والنرجسية والاعتلال النفسي، ورغم أنها منفصلة لكن تشير الأبحاث أن وجود أحدها بقوة يشير إلى وجود الآخر، وهي الثالوث المظلم الذي شكل ترامب.
ويشير كيرلي إلى أن كوهن في الفيلم يقدم العديد من الأمثلة على السلوك الماكيافيلي، ففي أحد المشاهد، على سبيل المثال، يعرض على ترامب في شبابه تسجيلات/صور لديه يستطيع استخدامها لابتزاز الأشخاص الأقوياء والتلاعب بهم لكسب التأييد وضمان تحريكهم لصالحه.
كما يسلط الفيلم الضوء على النرجسية، والمكونات الرئيسية للنرجسية هي الشعور “بالعظمة والاستحقاق والهيمنة والتفوق”، وفقًا لبولهوس وويليامز، والمشهد الأخير من الفيلم يجسد هذا تمامًا، حيث يناقش ترامب مع توني شوارتز، الصحفي المشارك في تأليف كتابه التجاري ” فن الصفقة”، كيف أنه متفوق منذ ولادته”.
ووفقاً لكيرلي، يتضمن الفيلم أيضًا أمثلة على الاعتلال النفسي ، الذي يتميز بعناصر أساسية مثل الاندفاع الشديد، والبحث عن الإثارة، وانخفاض التعاطف، وإن نزعة ترامب الاندفاعية وحبه للإثارة تتجلى في الفيلم من خلال حاجته إلى بناء كازينو تاج محل في مدينة أتلانتيك سيتي، على عكس نصيحة كوهن، ويؤدي اندفاعه في وقت لاحق من الفيلم إلى سقوطه في الديون، كما يتجلى افتقار ترامب للتعاطف في طريقة تعامله مع كوهن، الذي كان بمثابة والده، ففي نهاية الفيلم يتهرب منه كأنه شيء مقزز، ويخدعه رغم كل ما قدمه له.
يقول كيرلي بحلول نهاية الفيلم، تم تجريد ترامب من إنسانيته وتعاطفه، كل ما تبقى هو شخص لديه شعور متضخم بالذات، ونقص في التعاطف مع الآخرين، والقدرة على استخدام المعلومات المضللة للحصول على ما يريد، إنها بمثابة دراسة حالة قوية لشخص يمتلك الثالوث المظلم من السمات الشخصية.