ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن ارتفاع سعر الدولار الأمريكي، الذي سجلته الولايات المتحدة منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب، يحمل في طياته مخاطر على الاقتصادات الآسيوية، ويجعلها تتأهب لعاصفة تجارية محتملة، يواجه فيها محافظو البنوك المركزية مهمة صعبة وخطيرة لتحقيق التوازن.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها، أن ارتفاع الدولار يأتي بصورة جزئية بسبب التعريفات الجمركية الضخمة التي اقترحها الرئيس المنتخب، والوعود بتخفيضات الضرائب والحملة الصارمة على الهجرة، والذي من شأنه أن يدفع التضخم للارتفاع.
وأردفت الصحيفة أن ارتفاع التضخم يعني قيام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة ولفترة طويلة، واستندت الصحيفة في هذا الرهان إلى الارتفاع الكبير في عوائد السندات، حيث تؤدي توقعات الأسواق برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم إلى زيادة عوائد السندات.
وتميل أسعار الفائدة المرتفعة إلى جعل العملة أكثر جاذبية، وفقا للصحيفة، حيث إن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة تجعل الدولار الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، حيث توفر العوائد المرتفعة على الأصول الأمريكية مزيدا من المحفزات للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي ورفع قيمته مقابل العملات الأخرى.. وذهبت “وول ستريت جورنال” إلى أن كل هذا من شأنه أن يسبب للبنوك المركزية في آسيا مشاكل خطيرة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه في الوقت الذي تظل فيه الصين الهدف الرئيسي للرسوم الجمركية التي تعهد الرئيس المنتخب بفرضها على أكثر من 60% من وارداتها إلى الولايات المتحدة، إلا أن تأثير ذلك قد يمتد ليشمل الاقتصادات المترابطة في منطقة آسيا.
وأضافت أن آسيا، باستثناء الصين، أصبحت تعتمد على الطلب الأمريكي بصورة متزايدة، حيث ارتفعت حصتها من الصادرات إلى أمريكا من 11.7 بالمئة في أكتوبر 2018 إلى 14.7 بالمئة في الوقت الحالي، وذلك وفقا لبنك “مورجان ستانلي”، وأوضحت أن هذا التحول يعكس جزئيا إعادة توجيه الصادرات الصينية عبر دول جنوب شرق آسيا.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أنه بالرغم من أن ضعف العملات مقابل الدولار قد يساعد في تخفيف وطأة الرسوم الجمركية المتزايدة من خلال جعل الصادرات أكثر قدرة على المنافسة، مقارنة بالسلع الأميركية، فإن هذا قد يؤدي أيضا إلى تسريع تدفقات رأس المال إلى الخارج، وهذا يمثل تحديا خاصا للصين، التي تتعامل مع تباطؤ الاقتصاد.
ويمكن أن يحدث تدفقا لرأس المال للخارج بسبب ضعف العملة عندما يتسبب انخفاض العملة في تآكل العوائد وزيادة المخاطر الاستثمارية، حيث إن المستثمرين يسعون لتقليل المخاطر وحماية استثماراتهم من الخسائر الناتجة عن تدهور قيمة العملة، مما يدفعهم إلى نقل أموالهم إلى أسواق أكثر استقرارا خارج البلد.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنه خلال الحرب التجارية الأخيرة عامي 2018 و2019 بين الصين والولايات المتحدة انخفضت قيمة اليوان الصيني بنحو 10 بالمئة مقابل الدولار، وبدأت تلك الحرب بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 مارس عام 2018 عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية، وكرد انتقامي من الحكومة الصينية فرضت رسوما جمركية على أكثر من 128 منتجا أمريكيا.
ونوهت الصحيفة بأن التعريفة المقترحة هذه المرة أعلى بكثير من المرة السابقة؛ لذا فقد يحتاج اليوان إلى المزيد من الانخفاض، موضحة أنه من المرجح أن تتبنى بكين نهجا مدروسا، في انتظار إعلانات التعريفات الفعلية قبل أن تقرر ما ستفعله.
وزادت الصحيفة أنه قد يسمح ببعض إضعاف اليوان، ولكن ربما لا يسمح بانخفاض حاد، نظرا لمخاطر هروب رأس المال من البلاد.
وأشارت إلى أنه ربما لا تشكل تدفقات رأس المال الخارجية مصدر قلق كبير بالنسبة للاقتصادات الآسيوية الأخرى، لكن ضعف العملة من شأنه أيضا أن يزيد الضغوط التضخمية، لأنه يرفع تكاليف السلع المستوردة، خاصة الطاقة والغذاء.
وقد يفرض هذا، وفق ما ترى الصحيفة، بعض القيود على خفض أسعار الفائدة في تلك البلدان أو ما يعرف بالتيسير النقدي الذي يمكن تطبيقه في المنطقة، حيث إنه من المنتظر أن تخفض أغلب الاقتصادات الآسيوية أسعار الفائدة العام المقبل.
وباستثناء اليابان، التي كانت آخر دولة خرجت من تجربة أسعار الفائدة تحت الصفر، فإن انخفاض قيمة الين قد يجبر بنكها المركزي على رفع أسعار الفائدة بسرعة أكبر مما يريحها، وكان بنك اليابان قد رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ 17 عاما في مارس الماضي، ثم أجرى زيادة أخرى في يوليو، في حين أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعي سبتمبر وأكتوبر الماضيين.
ونقلت الصحيفة عن بنك “جيه بي مورغان” أن العديد من البنوك المركزية الآسيوية لديها احتياطيات وفيرة من العملات الأجنبية؛ لذا من المرجح أن تتدخل لمنع عملاتها من الانزلاق بسرعة كبيرة، إلا أنه بالرغم من ذلك، فمن المرجح أن تتدفق رؤوس الأموال إلى خارج المنطقة إذا ظلت أسعار الفائدة الأمريكية أعلى من نظيراتها في آسيا. ولفتت الصحيفة إلى أن الأسهم الآسيوية باستثناء اليابان انخفضت بمعدل 13 في المئة خلال فترات قوة الدولار منذ عام 2008.