كرر الرئيس الأمريكي الفائز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة دونالد ترامب تصريحاته التي تطرق خلالها للولاية الأمريكية الـ51 والتي يعني بها كندا حسب قوله ليعود كما فعل منذ أيام لتأكيد أن الكلام كان من سبيل المزاح، ولكن تلك التصريحات وراءها تاريخ قديم يقارب القرنين من الزمان حاولت أمريكا خلالها تارة وحاول انفصاليون كنديون تارة أخرى لضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية وفصلها عن التاج البريطاني الذي لا يزال يملك السيادة الصورية على الأراضي الكندية حتى الآن.
وتسرد جريدة أخبار مصر أهم الملامح لتاريخ مزاعم التوسع الأمريكي بالأراضي الكندية وما يرتبط به من أحداث تاريخية.
ما قبل الدولة الكندية
عاشت الأراضي الأمريكية كمستعمرات منذ اكتشاف البحار كولومبس لأراضي العالم الجديد لتسيطر بريطانيا على أراضي وفرنسا على أخرى وكان ذلك الوضع في قارة أمريكا الشمالية بينما تفرقت مستعمرات القارة الجنوبية بين إسبانيا والبرتغال.
كانت السيادة البريطانية على وشك تلقي صفعة في العالم الجديد باشتعال الثورة الأمريكية حين تمكن سكان ما يعرف حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية من طرد الجيش البريطاني والاستقلال بسياسة الأمر الواقع.
ظلت الأراضي الشمالية المعروفة بكندا حاليا تحت السلطة البريطانية ومنذ ذلك الحين بدأت طموحات التوسع الأمريكي فيها لتشن الميليشيات الأمريكية غزوها الأول عام 1775 على خليج سانت لورانس، وقد تقدمت القوات قرب كويبيك الكندية قبل أن يصدها الجيش البريطاني وفق كتاب “كندا والثورة الأمريكية”.
كررت الميليشيات الأمريكية حيث لم يكن ثمة جيش أمريكي موحد بإعادة غزو الأراضي الشمالية عام 1812 بعد تعرض بحارة أمريكيين لاعتداءات بريطانية، وقد تمكن البريطانيون من رد الميليشيات الأمريكية مجددًا بفعل عدم تنظيم حركتها وفقًا لكتاب “حرب 1812” لجوستاف لونغتون.
محاولات التوسع السياسي
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ طريق مختلف لضم الأراضي الكندية عبر استقطاب الأقليات واستغلال رغبة الكنديين في التحرر من الاستعمار لتقوم أمريكا بعدة مبادرات دعمتها حركات انفصالية عن التاج البريطاني، وكان من أهمها توصية ضم كندا والتي وقع عليها أكثر من 300 رجل أعمال كنديين خلال أربعينيات القرن الـ19 وذلك لتضررهم بالسياسات البريطانية على واردات محاصيل الذرة وفقًا لدورية “أونتاريو”، ولكن التجاوب مع التوصية لم ينتهِ بضم كندا بل تم تتويجه بمعاهدة تجارية تربط كندا بالولايات المتحدة الأمريكية.
واصل الأمريكيون دعمهم للأفكار الانفصالية في كندا وتشجيع القوانين التي تسهل ضم كندا، وكان من أشهر أولئك المحرضين وزير الخارجية الأمريكي ويليام سيوارد، وقد تعززت رغبة ضم كندا بدوافع انتقامية لوقوف كندا بجانب القوات الكونفيدرالية خلال الحرب الأهلية.
وقد شجع الأمريكيون الأقلية الأمريكية في كولومبيا البريطانية والأقلية الإيرلندية في نوفا سكوشا وتم طرح تشريع مخصص لضم الأراضي الكندية ودفع مبلغ مقابل لبريطانيا عام 1966، ولم تبدي بريطانيا اعتراضها على ضم بعض المناطق الكندية للولايات المتحدة، غير أن قرار الاستقلال الكندي عام 1971 قضى على جميع تلك الأطماع الانفصالية وفقًا للمؤرخ جوزيف ليفيت ولم تعد أمريكا لدعم ذلك التوجه بشكل رسمي.
مناصرون لضم كندا
تركزت موجة مناصري ضم كندا لأمريكا في كندا نفسها حيث أظهر استطلاع رأي لمؤسسة “ليجي ماركتنج” عام 2000 بوجود 20٪ من المشاركين يؤيدون ضم كندا لأمريكا، كما شهدت الثمانينيات ظهور حزبين مطالبين بضم كندا وهما الحزب الاتحادي والحزب الـ51 في كويبيك الكندية، وكلا الحزبين لم يحصدا عدد أصوات كبير بين الناخبين وفق الكاتبين ستيفن لوروز وجين كريت.
وقد ظهر حزب ثالث مؤيد لضم كندا وهو حزب التجديد، وكان أحدث الأحزاب الكندية المطالبة بالضم حيث ظهر عام 2018 وقد حظي بإقبال ضعيف مقارنة بسائر الأحزاب.
أما على الجانب الأمريكي فكانت المطالبات محورة بين بعض السياسيين أو المشاهير منهم جريك سكونميكر، ناشط دعم الشواذ الشهير في الثمانينيات، والذي أيد ضم كندا كالولاية 51 لأمريكا. كذلك أثار مذيع فوكس نيوز الشهير توكر كارلسون الجدل حين اقترح سنة 2021 أن ترسل أمريكا جيشها لاحتلال كندا بدلاً من إرسالها لمساعدة الأوكرانيين، ولكن أمام موجة كبيرة من النقد زعم كارلسون أن تصريحاته كانت من باب المزاح ولم يكن جادًا في قوله، وقد اتخذ ذلك النوع نمطًا أخطر على الكنديين حين ورد على لسان الرئيس المنتخب دونالد ترامب في أوقات متقاربة.
هل يستفيد ترامب من ضم كندا؟
أوضح موقع “ناشونال بوست” أن ضم كندا يمثل صفعة قوية للحزب الجمهوري حيث ينتهج معظم الكنديين أفكارًا ليبرالية تتعارض كثيرًا مع الحزب الجمهوري، وحتى بحساب المحافظين في كندا سيبقون أقلية مقابل الأغلبية المتحررة. وأما فيما يخص كندا، فإن انضمام أي ولاية كندية لأمريكا يعني المزيد من تقييد حريتها حيث يمنح التاج البريطاني استقلال أي ولاية كندية، بينما القانون الأمريكي يمنع ذلك، وستكون الحرب العسكرية مصير كل ولاية تحاول الانفصال وفقًا لـ”ناشونال بوست”.