ألقت ميركل كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي. وفي إطار إحياء الذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، أعادت ميركل التأكيد على “المسؤولية التاريخية” التي تقع على عاتق ألمانيا تجاه أمن إسرائيل، وأعلنت أن هذا الأمن جزء من “المصلحة العليا للدولة” الألمانية.
خصصت أنغيلا ميركل 15 صفحة فقط من مذكراتها الجديدة “Freiheit. Erinnerungen 1954–2021” أي “الحرية ـ ذكريات 1954 ـ 2021” لإسرائيل، ولكن مساهمتها في العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل يمكن تلخيصها بكلمة واحدة، ألا وهي “Staatsräson” التي تعني “مصلحة عليا للدولة” الألمانية.
استخدمت ميركل، المصطلح الشهير في خطابها أمام الكنيست الإسرائيلي عام 2008 لتقطع به التزامًا تاريخيًا لألمانيا، أن أمن إسرائيل هو “جزء من مصلحة دولتي العليا”. ومنذ ذلك الحين، اكتسب هذا المصطلح وزنًا شبه قانوني، وغالبًا ما يُستشهد به كما لو كان التحالف مع إسرائيل جزءًا من دستور ألمانيا.
تشير ميركل إلى أنها استخدمت الحجج “نفسها تقريبا”، التي وردت في خطاب الكنيست، قبلها بنصف عام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، و”بالكاد سجلها أحد”، وهو الأمر الذي أثبت لها أن “التواصل يعتمد إلى حد كبير على من يقول ماذا، ومتى وأين”. إذ كان لوقع كلمتها في الكنيست “تأثيرا مختلفا وقويا بشكل لا مثيل له”.
وتقول إن كلمة “مصلحة عليا للدولة” كانت ببساطة “جزءًا من مفرداتها السياسية”، وكذلك مفردات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. فقد استخدم المستشار الألماني هلموت كول في الثمانينيات العبارة نفسها، ولكن في سياق التزام ألمانيا بالتحالف عبر الأطلسي والوحدة الأوروبية.
كمواطنة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR، نشأت ميركل على نسخة مختلفة من التاريخ الألماني عن نظرائها في ألمانيا الغربية. فقد تعرّض العديد من قادة ألمانيا الشرقية للاضطهاد من قبل النازيين بسبب انتماءاتهم الشيوعية، وكان هذا الاضطهاد هو محور ثقافة الذاكرة في البلاد. تقول كاتبة السيرة الذاتية لميركل الصحافية جاكلين بويسن لموقع قنطرة، “كانت هناك العديد من الأشياء التي لم تتعلمها ميركل في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حيث كانت عملية التعاطي مع التاريخ (Aufarbeitung) تركز على اضطهاد الشيوعيين أكثر من اليهود”.
تقول بويسن: “أصبح كول مُعلم ميركل السياسي”. “لقد كانت دائمًا فضولية وتعلمت بسرعة كبيرة أن عليها أن تكون حذرة في بعض المسائل، وأن تتعلم من الآخرين، وخاصة كول، الذي أكد بدوره على “مسؤولية ألمانيا تجاه دولة إسرائيل”.
يقول دانيال مارفيكي، مؤلف كتاب “إسرائيل وألمانيا: تبييض الصورة وبناء الدولة”، لـ قنطرة، “يستخدم السياسيون أحيانا كلمات لمجرد أنها تبدو كبيرة ومهمة، وهو ما ينطبق على كلمة ‘مصلحة عليا للدولة’ بالتأكيد، لكن معناها يظل غامضًا”، مضيفا: “أنها بطريقة ما سياسة ذكية: أنت تطمئن الناس، وتتمنى لهم الأفضل عند التنفيذ”.
غموض متعمد
تشير الخدمة الاستشارية الفنية في البوندستاغ، إلى أن مصطلح “مصلحة عليا للدولة”: “ليس جزءًا من الدستور الألماني ولا من القانون”، ولكنه “بالأحرى يُفهم على أنه مبدأ سياسي استرشادي”.
يحمل المصطلح نفسه دلالة ما قبل الديمقراطية بشكل ملحوظ، وغالبًا ما يستخدمه المنظرون السياسيون في عصر النهضة الإيطالية مثل نيكولو مكيافيلي. تقول الوكالة الاتحادية للتعليم السياسي في ألمانيا: “في الدول الديمقراطية، لم يعد مصطلح (مصلحة عليا للدولة) يلعب دورا في الدول الديمقراطية”.
فيما ليس واضحا ماهية الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الفكرة ما قبل الديمقراطية في جمهورية دستورية. وفي محاولة للتقليل من أهميتها، تشير ميركل إلى أن إعلانها لم يكن “سياسة دفاع مشترك” مثل المادة الخامسة لحلف شمال الأطلسي، ولكنها تُظهر “ارتباطًا أوثق بإسرائيل مقارنة بالعديد من الدول الأخرى في العالم”.
“هذا تهرب من المسؤولية”، كما يقول مارفيكي. ويضيف: “لا يمكن لألمانيا أن تلتزم بالمادة الخامسة تجاه إسرائيل ولكن يمكنها فقط التلميح إلى ذلك. هناك تلميح صريح ولكنه غير مفهوم تماما”.
ومع ذلك، فإن عواقبه استخدام المصطلح على السياسة الخارجية حقيقية. فإلى جانب تأكيدها على استعداد ألمانيا لتزويد إسرائيل بالأسلحة، تشير ميركل إلى مصطلح “مصلحة عليا للدولة” كسبب لمشاركة ألمانيا في مفاوضات منع تطوير إيران للسلاح النووي، وكذلك قرارها بالامتناع عن التصويت على الاعتراف بفلسطين كدولة. ولا تشرح المستشارة السابقة بالضبط كيف يتعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع أمن إسرائيل. وفي الواقع، بالكاد يرد ذكر فلسطين في هذا الفصل.
في الوقت نفسه، تشدد ميركل في مذكراتها على دعمها لحل الدولتين. وقد فعلت الشيء نفسه في خطاب الكنيست، على الرغم من أنها خففت من حدة الطلب إلى حد ما، بقولها إن إسرائيل “لا تحتاج إلى نصيحة غير مرغوب فيها من الغرباء”.
بعد عام من الخطاب الشهير، عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة. وقد “تكلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأطول حكما في إسرائيل، عن حل الدولتين ولكنه لم يفعل شيئًا لتسهيله. بل على العكس، قام بتقويضه من خلال استمراره في بناء المستوطنات”، كما كتبت ميركل. وأصبحت الخلافات حول المستوطنات “غير قابلة للتوفيق” بينهما، على الرغم من أنها ظلت مقتنعة بأنها “لن تؤدي إلى تشكيك جوهري في العلاقات بين البلدين”.