استعدادا للحظة تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لفترة ولاية ثانية، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تحليلا تتحدث فيه عن طبيعة خطابات التنصيب في الولاية الثانية وكيف تختلف عن تلك التي يلقيها الرؤساء الأمريكيون عند انتخابهم للمنصب في المرة الأولى.
وذكرت “فورين بوليسي” أن ترامب سيلقي، اليوم الاثنين، خطاب تنصيبه الثاني، مشيرة إلى أن هذا الخطاب الثاني عادة ما يكون أقل درامية مقارنة بالأول بالنسبة لرئيس يتولى ولايتين، لكنه لا يقل أهمية في تحديد الرؤية لما ستبدو عليه الأربعة أعوام المقبلة.
ريجان وترامب
قبل أربعين عاما، ألقى جمهوري بارز آخر أعيد انتخابه رئيسا أيضا خطاب تنصيب تاريخي، وهو: الرئيس الراحل رونالد ريجان، أحد أعمدة الحركة المحافظة الحديثة التي تشكلت في السبعينيات.
وبحسب “فورين بوليسي”، سمح الاحتفال لريجان باستخدام وقته تحت الأضواء للتأكيد على رؤية يمينية محددة وفريدة لمجتمع من شأنه أن يواصل تشكيل السياسات الجمهورية حتى اليوم. وكما الحال مع ترامب، اضطر ريجان لعقد الحدث في مكان مغلق نتيجة الطقس البارد بشكل غير عادي.
ولم يتضح بعد ما إذا كان يمكن لترامب تكرار نجاح ريجان في ترسيخ أيديولوجية حاكمة تدوم لفترة أطول من سلطته. لكن الخطاب الذي ألقاه ريجان عام 1985 يقدم خارطة طريق مهمة توضح كيف استخدم قادة التغيير تلك الخطابات كجزء من محفظة أدواتهم لتحقيق هذا الهدف.
وفي يوم إلقاء ريجان لخطاب تنصيبه الثاني في 21 يناير من عام 1985 في العاصمة واشنطن، كان الجو قارس البرودة، حيث كان الساحل الشرقي بأكمله يشهد موجة من الطقس البارد للغاية.
ورغم هذا الطقس، كانت الروح المعنوية لريجان مرتفعة. وبعد وصوله إلى المنصب عام 1981 بالفوز على الرئيس جيمي كارتر بحملة انتخابية دعت إلى أجندة وطنية محافظة، بدا أن أغلبية الناخبين في عام 1984 أكدوا موافقتهم على قيادته وأجندته.
وبحسب “فورين بوليسي”، دمر ريجان نائب الرئيس السابق والتر مونديل، الذي دافع بقوة عن أجندة الاتفاق الجديد والمجتمع العظيم (وهي سلسلة من الإجراءات والبرامج الإصلاحية التي شهدتها فترة رئاسة فرانكلين روزفلت) – وحتى اعترف في مناظرة متلفزة بأنه بالتأكيد سيرفع الضرائب – بشكل من أشكال الانتصار الكاسح الذي لم يعد يحدث في السياسة الأمريكية.
وفاز ريجان في إعادة انتخابه بحصوله على 525 صوتا من المجمع الانتخابي، و59% من التصويت الشعبي، في حين فاز مونديل بمقاطعة كولومبيا وولاية مينيسوتا فقط.
وبحسب “فورين بوليسي”، كانت إعادة انتخاب ريجان بالغة الأهمية بالنظر إلى أنها كانت مثيرة للجدل. وقد أمضى الديمقراطيون، الذين لم يخسروا السيطرة على مجلس النواب قط، أربعة أعوام يحشدون ضد الإدارة بسبب هجومها على شبكة الضمان الاجتماعي.
وقد نجح الديمقراطيون في منع جهوده لتقليص مزايا الضمان الاجتماعي ومنعوه من تفكيك برامج محلية بارزة حتى مع تخفيضه للضرائب على الصناعة الغنية وغير المنظمة.
وعمل الديمقراطيون في مجلس النواب مع نشطاء القاعدة الشعبية للترويج لحركة تجميد النووي كبديل لتسريع ريجان لخطاب الحرب الباردة وتقليصه لاتفاق الأسلحة النووية، بحسب “فورين بوليسي”.
وفي المؤتمر الديمقراطي لعام 1984، الذي انعقد في سان فرانسيسكو، تلقى حاكم نيويورك دعما حماسيا عندما رفض ادعاءات ريجان بأن الأمة بأكملها تزدهر تحت قيادته.
وشعر ريجان بالقلق من أنه لن ينال التقدير الذي يستحقه، بحسب “فورين بوليسي”، واشتكى بعد مؤتمر صحفي مثير للجدل قائلا: “الصحافة تحاول الآن إثبات أنه لم يكن كاسحا، أم يجب أن أقول تفويض؟”.
وفي يوم التنصيب، أراد تذكير الجميع بمعنى فوزه، حيث جمع مسودات لخطابات أعدها كتاب الخطابات بيجي نونان وبن هارت وتوني دولان.
وبحسب “فورين بوليسي”، كان واضحا أن ريجان عاقد العزم على وضع رؤيته، مع ذكر نقاط محددة، وتجنب القضايا المثيرة للانقسام.
ويوم الاثنين الموافق 21 يناير، عقد حفل التنصيب في القاعة المستديرة في الكابيتول، التي كان يحاوطها بشوارع تغطيها الثلوج الكثيفة. وازدحمت القاعة بنحو 1000 شخص، بينهم أعضاء بارزين في الكونجرس.
وبحسب المجلة الأمريكية، كان هذا أول خطاب بمكان مغلق منذ أن فعل ويليام هوارد ذلك قبلها بـ76 عاما، أما المرة التالية فهي تلك التي ستشهدها الولايات المتحدة اليوم الاثنين.
وخلال خطابه، أعاد ريجان التذكير بكيف فهمت الأمة في عام 1980 أنه بعد عقود من حكم الديمقراطيين، حان الوقت لاستعادة “قوتنا نحو أقصى درجات الحرية الفردية بما يتفق مع مجتمع منظم”.
وقال ريجان إن الناخبين كانوا محقين، مشيرا إلى أنه بعد أول أربعة أعوام له في المنصب، “تقلصت معدلات الضرائب، وانخفض التضخم بشكل كبير، وتم توظيف المزيد من الأشخاص أكثر من أي وقت مضى في تاريخنا”.
ووعد ريجان بأن السنوات التالية ستكون فترة يستعيد فيها الأمريكيون الثقة في التقدم، “عندما يعاد التأكيد على قيم الإيمان والعائلة والعمل للعصر الحديث، وعندما يتحرر اقتصادنا أخيرا من قبضة الحكومة”.
خطاب ترامب
أما في خطاب تنصيب ترامب، الذي يأتي في فترة تنصيبه الثانية التي يفصلها عن الأولى فترة رئاسة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، سيكون أمامه فرصة لإلقاء خطاب عن الشرعية، والذي يتعلق أيضا بالانتقام.
لكن موقف ترامب يختلف عن ريجان؛ بالنظر إلى أنه لم يفز بإعادة انتخابه؛ لكنه تكبد هزيمة في عام 2020 قبل العودة لاستعادة السلطة بعد أربعة أعوام، بحسب “فورين بوليسي”، مشيرة إلى تورطه في محاولة لقلب نتائج انتخابات الرئاسة عام 2020 وهزيمته لنائبة الرئيس كامالا هاريس في حقبة يسودها الاستقطاب ولم تعد تشهد انتصارات كاسحة، وكذلك تكون هوامش الفوز فيها ضئيلة دائما.
وبحسب “فورين بوليسي”، سيدعي ترامب – بشكل من أشكال المنطق – أن هذا العام شهد دعما قويا نسبيا بين الناخبين للفكر الجمهوري بـ”جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، حتى في المناطق التي كانت شديدة الولاء للديمقراطيين.
وفي حين يعتبر الاحتفال مجرد خطاب وحيد، لكنه يأتي في لحظة ربما يكون فيها الحزب الجمهوري على أعتاب ترسيخ نهج جديد للحكم.