جلست كيْ أُُشاهد الفيلم المصري ” رجل لا ينام”، الذي قام ببطولته الفنان المصري يوسف بك وهبي مع الراحلة مديحة يُسري ، وتحكي قصة الفيلم عن الدكتور منير(يوسف وهبي) الذي أحبَ خَمْريَة (مديحة يسري) ، والتي تعمل مُطربة بملْهي ليلِي ، وقد أوهمته ( خَمْريَة) بحبها له ، كي تستنزف منه المال لمساعدة عشيقها المُجرم جلال أبو مشرط ( فريد شوقي)، وعندما يكتشف الدكتور منير حقيقتها يحاول قتلها ، ثم يفر هارباً ظناً أنه قاتِلها ، وفي نهاية الفيلم يُكتشَف أن أبومشرط ، هو الذي قتلها خنْقاً.
وبينما كنت أُشاهد أحداث الفيلم ، لفت إنتباهي مشهد .. تم تصويره داخل حجرة بإحدي محطات القطار ، حيث تحدث موظف تحويلة القطار إلي زميله من خلال التليفون المصلحي للسكة الحديد ، قائلاً :” محطة طنطا ؟!.. هنا طنبشا !!”، قاصداً أنه يُخاطبه من محطة قرية طنبشا !!
لحظتها كنت مُندهشاً عندما جاء إسم ” طنبشا ” في فيلم سينمائي ، فطنبشا هي القرية المُقابلة لمدخل قرية الرمالي – حيث مسقط رأسي ، وطنبشا حالياً تتبع بركة السبع ، أحد مراكز المنوفية ، برغم قُربها الشديد من ” قويسنا “.
وقرية طنبشا مُنْشَئ بها محطة قطار عريقة جداً ، وعلي الرغم من أنها محطة فرعية ، إلا أن أهميتها تأتي من وقوعها علي خط السكة الحديدية الرئيسي القاهرة – الإسكندرية.
وبعد مرور ساعتين ودقيقة واحدة من أحداث الفيلم ، جاء مشهد آخر من نفس محطة طنبشا ، حيث خاطب المُوظف زميلاً له في التليفون المصلحي ، قائلاً :” سنترال محطة طنطا ؟؟.. وصلني لمحطة قويسنا !!”.
وهنا زادت دهشتي عند سماعي لكلمة ” قويسنا “، والتي أنتمي إليها ، وتعجبت للمرة الثانية من ورودها في سيناريو وحوار فيلم”رجل لاينام “، الذي تم إنتاجه عام 1948 م ، أي منذ حوالي ٧٤ سنة ، حيث تتجلي قيمة هذا الفيلم في أن أبطاله هم العباقرة الأوائل للتمثيل الراقي ، كما أنه أحد أيقونات زمن الفن الجميل ، وجزء هام من سينما الأبيض والأسود الراقية !!
وقويسنا هي إحدي المُدن الرئيسية الواقعة علي طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي ، وتتبع المنوفية ، وإليها ينتمي كثير من الفنانين ، مثل الفنانة ماجدة إبنة قرية مصطاي ، والفنانة سناء يونس إبنة مِيتْ بِرَه ، والمُمثل أحمد عبدالوارث إبن قرية العجايزة ، وكذلك الفنان شفيق نورالدين إبن قرية بجيرم ونَجْلُه الفنان نبيل نورالدين ، ومن قرية كفر الشيخ إبراهيم خرج الراحل المخرج فايز حلاوة وإبن شقيقه الفنان الراحل أحمد حلاوة .
المهم .. أكملت متابعتي لفيلم ” رجل لا ينام “، وفي مشهد آخر ظهر يوسف وهبي غاضباً ثائراً داخل جرارأحد القطارات ، مُهدداً سائقه بالقتل ، إذا لم يتحرك بالقطار قبل ميعاده ، ليصِل القاهرة في أسرع وقت .
ثم أدهشني من جديد ، أنه أثناء رحلة القطار القادم من الإسكندرية للقاهرة ، و البارز علي جانبية علم المملكة المصرية ، إلتقطت عدسات تصوير الفيلم ، يافطات لثلاث محطات بالسكة الحديدية ، أولهم يافطة محطة قويسنا ، ثم يافطة محطة قليوب ، ثم يافطة محطة شبرا !!
وحينها زاد شغفي لمعرفة الدافع الذي جعل مُخرج الفيلم ، يلقي بمزيد من التركيز علي ” قويسنا ” مرتين بفيلم رجل لا ينام .. مرةً عندما تحدث موظف القطار قائلاً :” وصلني لمحطة قويسنا !!”، والأخري بإظهار” يافطة محطة قويسنا “، والتي ربما تلاشت معالمها ، بعدما سُجِلَتْ سينمائياً منذ أكثر من سبعة عقود.
لم أجد تفسيراً لحالة الإهتمام السينمائي بيافطة سكة حديد قويسنا برغم وجود محطات أكثر شُهْرة منها ، مثل محطة سيدي جابر ، ومثل محطتيْ طنطا وبنها اللتين تم ذكرهما بالفعل .
وليس مقصدي ، التقليل من شأن قويسنا كمركز حيوي بحُكم موقعه الجغرافي ، وكمحطة هامة من ضمن محطات سكك حديد مصر ، وكمدينة جميلة في تنظيمها ، فمقامها ليس بالهيِنْ ، ولذا أسعدني الإشارة إلي قويسنا تحديداً في فيلم يحْمِل رُقِياً في قصته وأحداثه وتمثيل فنانيه ، وإقتناعي بأن ” رجُل لاينام ” علامة بارزة في تاريخ الموسوعة السينمائية !!
إستمرت رحلة بحثي عن سر التلميح الذي شمل قرية طنبشا ومدينة قويسنا في سينما يوسف وهبي ، غير مُقتنع أنه كان من قبيل الصدفة ، مُستبعداً إنتماء مؤلف قصة “رجل لا ينام “، لطنبشا أو قويسنا ، لعِلْمي بأن بطل الفيلم ومُؤلفه وصاحب السيناريو والحوار، ومُخرجه هو الفنان يوسف وهبي ، إبن مدينة الفيوم .
وضعت إحتمالاً بأن أحد المشاركين في صِناعة ” رجُل لا ينام “، والذي أبحث عن هويته المجهولة ، هو أحد أبناء قويسنا ، أو طنبشا التي كانت تابعة لقويسنا حتي خمسينيات أو ستيتيات القرن الماضي ، فأكرمه يوسف وهبي ، بتدوين إسم قريته ومركزه قويسنا معاً في ذاكرة سينما العهد الجميل .
لم أقف عند ذلك الإحتمال ، وإنما إطَلعت علي السِيَرْ الذاتية للذين شاركوا في فيلم” رجل لا ينام “، من ممثلين ومنتجين ومُصورين وغيرهم ، فلم أجد منهم شخصاً ينتمي لقويسنا عدا الفنان شفيق نورالدين ، إبن قرية بجيرم ، كما ذكرنا سالفاً ، مما جعلني أفترض أن قويسنا ذُكِرَتْ بأروع أفلام يوسف وهبي ، تكريماً للقدير شفيق نورالدين .
أما الإحتمال الأرجح والأقرب لرحلة بحثي ، هو نزول يوسف وهبي إلي قرية طنبشا ، في سالف الزمان ، أثناء فترات أسفاره وتنقُلاته بفِرقته في ربوع مصر لأجل عرض أعماله المسرحية ، فعرض وهبي بعض مسرحياته لأهل طنبِشا فأسعدتهم كثيراً ، فأكرموا مثواه وفرقته ، مما جعل الفنان الأنيق يُدرِج إسم قريتهم طنبشا في قاموس السينما المصرية ، ومعها قويسنا التي إحتضنت طنبشا جغرافياً في سالف الأزمان .
ولعل شمول الأرشيف السينمائي العتيق لحروف كلمتيْ قويسنا وطنبشا ، جعلني أعتز بهذا الأمر ، فالسينما سِجل لتوثيق هيئات كل زمان ومكان .. وهي دار محفوظات لحفظ التراث السينمائي .. قويسنا الجميلة ، خلدتها ذاكرة سينما الفن الجميل .
هل يمكن شرب عصائر الحمضيات على معدة فارغة
تشير الدكتورة ناتاليا كروغلوفا خبيرة التغذية إلى أنه عموما لا توجد أي آثار سلبية لشرب عصير الحمضيات على معدة فارغة....
قراءة التفاصيل