في عصر كثر فيه الفساد، وانتشرت فيه النماذج السيئة، وتصدرت المشهد الاجتماعي وشوهته؛ ما زالت هناك رجال تحمل لقب الرجولة اسمًا وصفة، تحمل الأخلاق في فطرتها، و الشهامه في طباعها؛ ففي قرية أبو نورالدين التابعة لمركز الستاموني، محافظة الدقهلية؛ ظاهرة ملفتة للأنظار لدىٰ أهل هذه القرية، وهذه الظاهرة هو شخص حين يُذكر؛ يردد الجميع اسمه بحب شديد، ويدعوا له الجميع بالرحمة، وتتزاحم المواقف الطيبة لدىٰ الرواه، ما بين مواقف طيبة، وسيرة حسنة، وحب فطري لقريته وأهله، فسرعان ما تتبادر أسألة كثيرة للأذهان عن؛ مَن هو هذا الشخص صاحب هذه الظاهرة؟ وما سر تعلق أهل بلدته به وحبهم الشديد له؟ وما هو سبب وفاته؟
هو “أحمد مصطفى الحفناوي” أو “شهيد الشهامة”
ولد أحمد الحفناوي في الثاني من نوفمبر عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعون، في أسرة ريفية متوسطة الحال، لعب كرة القدم في سن صغير وكان متيم بعشق هذه اللعبة إلى جانب دراسته، ويشهد كل أبناء جيله من لعب معه أو شاهده من خارج الملعب أنه كان من أفضل لاعبين كرة القدم في جيله، وكان مدلل لدى كل الفرق التي كان يلعب معها، ومدلل أيضًا لدىٰ جماهيرها؛ فكان محبوب من جميع أهل قريته، وكل القرى المجاورة لقريته، حتى وصل الأمر إلى أنه كان يظل خارج منزله يومان وثلاثة؛ بسبب التنقل من قرية إلى قرية، ومن مكان إلى مكان آخر؛ من أجل المشاركة مع الفرق المختلفة في المباريات، فمستواه الرائع والملفت للأنظار جعله يتدرج في اللعب حتى لعب لفرق الدرجة الثانية، والثالثة، مثل: نادي شربين، ونادي المنصورة، ولكن تأتي الرياح دائمًا بما لا تشتهي السفن، فتأتي وفاة والده وهو في سنٍ صغير لتكن حجرٍ عثر أمامه في طريقه الكروي، وفي الحياة بشكل عام، لكنه لم يستسلم لهذه الظروف؛ فحبه الشديد للكرة جعله يعود لها من جديد، حتى تعرض للإصابة بالرباط الصليبي التي كانت آنذاك تنهي حياة لاعب كرة القدم، إلا أن إصراره الشديد على التعافي جعلته يعود من جديد للعب الكرة، ومن الجدير بالذكر أيضًا؛ أنه حين توفىٰ أبوه كان ما زال في الثانوية العامة؛ فشارك أخوته في العمل من أجل المعيشة فعمل معهم في الزراعة والتجارة والجزارة والألبان، حتى تخرج من كلية الحقوق عام ألفين، لتشغله الحياة العملية والبحث عن سبل المعيشة عن كرة القدم، ثم يتزوج بعد ذلك وينجب أربعة من الأبناء.
عمل أحمد الحفناوي بالمحاماه، وكان مشهورًا بالأمانة والصدق في وسط قل فيه الشرفاء، فكان بمثابة صوت الفقراء على منصات العدالة، فكان ملتزم دينيًا ومتدين، وكان دائم التردد على المسجد، بل كان في أحيانًا كثيرة يقيم هو الصلاة ويصلي بالناس إمام، كل هذه الأمور كفيلة أنّ؛ تجعل من هذا الشخص إنسان له نصيب كبير من الحب والاحترام في قلوب كل من يعرفه، إلا أن سبب وفاته زاد الأمور من الشعر أبيات، ليس بيت واحد؛
ففي يوم الرابع عشر من ديسمبر عام ألفين وأربعة عشر؛ نزل أحمد الحفناوي من بيته بعد أن أدى صلاة الصبح وتناول الفطار بالتمر واللبن، لتلبية صلاة الظهر، ففوجئ بأن أحد أبناء قريته كان يقوم بأعمال إصلاح في أحد بلاعات الصرف الصحي الموجودة أمام منزله، وقد سقط إلى قاعها ولم يعد يستطيع الصعود مره أخرى، وإذا به يسرع بالنزول إلى هذا المكان؛ ليحاول إنقاذ هذه الروح البشرية، أخذ أحمد الحفناوي القرار بالنزول داخل بلاعة الصرف الصحي بدون تردد، بدون تفكير، بدون خوف من الموت، بدون طمعًا ولا تعلقًا بالحياة، لم يخاطر بحياته من أجل مال، ولا سلطة، ولا إبتغاء وجه أحد سوىٰ الله عزو وجل،
لم يكن له هدفًا سوىٰ إنقاذ الرجل الذي يصارع الموت، ولكن الأمر كان أكبر منه؛ فنزل ولم يستطيع الصعود مره أخرى هو الآخر، إلا بعد مرور وقت كان كافيًا لينهي حياته، حاول أهل القرية إسعافه، أو الذهاب إلى أقرب مستشفى، ولكن كان كل شئ قد انتهى، ليرحل عن عالمنا أحمد الحفناوي عن عمر يناهز اثنين وأربعون عامًا، ومن الجدير بالذكر أيضًا؛ أن والده توفى في نفس العمر.
ليرحل أحمد الحفناوي ويترك زوجته وأربعة من الأبناء في أعمار مختلفة، تاركهم في أمان الله عز وجل، رحل أحمد الحفناوي ولكن بقية سيرته الحسنة، ومواقفه الطيبة، وحب واحترام الجميع له، وذكره دائمًا بكل خير.