رحل عن عالمنا أمس الاثنين 26 أغسطس 2024 الدبلوماسي المصري الكبير الدكتور نبيل العربي، أحد أعلام الدبلوماسية المصرية والعربية، ووزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية والقاضي الدولي الأسبق بمحكمة العدل الدولية.
توفي نبيل العربي عن عمر يناهز 89 عاما بعد حياة حافلة تاركا خلفه بصمات لا تنسى وإرثا لا يُمحى في مسار العمل الدبلوماسي والقانوني الدولي على المستويات المصرية والعربية والدولية.
وكان العربي على رأس جامعة الدول العربية عندما اتخذت قرارا تاريخيا لم يتم تنفيذه في مارس 2015 بإنشاء قوة عربية مشتركة، ووصفه بأنه حلم للعرب.
وأصدر نبيل العربي مذكراته في كتاب عن دار أخبار مصر بعنوان «طابا.. كامب ديفيد.. الجدار العازل» قدم فيه إطلالة واسعة للأحداث التى عاصرها وشارك فى جانب منها، وسجلا لمجريات ملف المفاوضات المصرية – الإسرائيلية لاسترجاع طابا بوصفه رئيس الوفد المصرى فى تلك المفاوضات.
وفي كتابه «طابا.. كامب ديفيد.. الجدار العازل» تحدث العربي، عن مفاوضات طابا على النحو التالي:
يستهل الدكتور نبيل العربي حديثه عن معركة طابا قائلاً: “قضيت قرابة خمس سنوات من حياتي مسؤولًا عن هذا الملف، من أواخر عام 1983 حتى صدور الحكم في 29 سبتمبر 1988، والذي مهد الطريق لجولة جديدة من المفاوضات مع إسرائيل، أسفرت عن الانسحاب النهائي من الأراضي المصرية في مارس 1989.”
خلال تلك الفترة، كان العربي يشغل منصب مدير الإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية، حيث ترأس وفد التفاوض مع إسرائيل لإبرام مشارطة التحكيم التي تم توقيعها في فندق مينا هاوس في 12 سبتمبر 1986. وفي صيف 1987، تم نقله للعمل كسفير ومندوب دائم لمصر لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، حيث تولى متابعة تطورات التحكيم عن كثب، وعيّن وكيلًا للحكومة المصرية خلال مرحلة إجراءات التحكيم. وقد كلفه الرئيس حسني مبارك بمتابعة تنفيذ الحكم حتى توقيع الاتفاق النهائي بين مصر وإسرائيل في فندق طابا بتاريخ 26 فبراير 1989، والذي أدى إلى انسحاب إسرائيل في 15 مارس.
ويضيف العربي: “في هذا السياق، سأعرض بصدق وجهة نظري حول ما تحقق من نجاحات وما واجهناه من إخفاقات. أعتذر مسبقًا إذا تحدثت كثيرًا عن نفسي، ولكن السبب هو أنني كنت مسؤولًا عن ملف طابا منذ نهايات عام 1983 وحتى الانسحاب الإسرائيلي في مارس 1989.”
يشير العربي إلى أن أزمة طابا بدأت قبيل 25 أبريل 1982، الموعد المقرر لانسحاب إسرائيل الكامل من سيناء. منذ ذلك الوقت، بدأت المحاولات والاتصالات لإيجاد حل للنزاع. وأوضح أن إسرائيل كانت على علم بأن الحكم القضائي لن يصدر لصالحها، وأن هدفها كان إفشال المحكمة في إصدار حكم نهائي، مما يدفع مصر للعودة إلى التفاوض والدخول في متاهات جديدة.
ويعلق العربي قائلاً: “إسرائيل قدمت موقعين مختلفين لمكان العلامة 91، وكان القاسم المشترك بينهما هو إبقاء منطقة طابا تحت السيطرة الإسرائيلية، وهو ما يعد موقفًا غير جاد بالنسبة لدولة تسعى لكسب قضية أمام محكمة دولية.”
بعيدًا عن تصوير النزاع كمعركة عسكرية، يوضح العربي أن القضية كانت في جوهرها نزاعًا قانونيًا. تولت وزارة الخارجية، وتحديدًا الإدارة القانونية والمعاهدات، مسؤولية دراسة الوثائق وإعداد المواقف لمواجهة إسرائيل في مختلف مراحل النزاع، بدءًا من المفاوضات وحتى إعداد مشارطة التحكيم، التي استغرقت تسعة أشهر من المفاوضات المكثفة.
ويذكر العربي أن القيادة السياسية كانت تتابع جميع التطورات عن كثب، مشيرًا إلى أن الرئيس حسني مبارك أكد له شخصيًا أنه يعتبره المسؤول الأول عن ملف طابا. أدار الفريق الحكومي المصري النزاع بأسلوب علمي متحضر، وتم تشكيل لجنة قومية من كبار الخبراء في مختلف المجالات ذات الصلة، تضم شخصيات بارزة مثل الدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور أبو الحجاج يوسف، وكبار القانونيين مثل الدكتور وحيد رأفت والدكتور مفيد شهاب.
ويشير العربي أيضًا إلى أن التعاون الوثيق بين مختلف الجهات الحكومية واللجنة القومية كان له دور كبير في النجاح الذي تحقق، مؤكدًا على الجهود الكبيرة التي بذلها الفريق الدبلوماسي العامل معه في وزارة الخارجية، والذي ضم عددًا من السفراء والمسؤولين الذين قدموا إسهامات مهمة خلال السنوات الخمس التي استغرقتها المفاوضات وتنفيذ الحكم.
موافقة إسرائيل
في منتصف يناير 1986، وافقت الحكومة الإسرائيلية على عرض النزاع بشأن طابا على التحكيم الدولي، وبدأت المباحثات لصياغة مشارطة التحكيم. كانت مصر قد اتخذت موقفًا استراتيجيًا واضحًا لا تنازل عنه، يتمثل في ضرورة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل احتلال إسرائيل لسيناء.
خلال هذه المرحلة، استعان الدكتور نبيل العربي بخبرة الدكتور جورج أبي صعب، الذي كان لديه تجربة عملية في بعض منازعات الحدود الدولية التي نظرتها محكمة العدل الدولية. ومع الأخذ في الاعتبار أن جميع إجراءات التحكيم، بما في ذلك المذكرات، ستتم باللغة الإنجليزية، وكون عدد من أساتذة القانون المصريين لا يجيدون هذه اللغة، تقرر ضرورة الاستعانة بعدد من المحامين المتخصصين في التحكيم الدولي وذوي الكفاءة في اللغة الإنجليزية.
قبل انعقاد هيئة التحكيم، تم تشكيل الوفد المصري الذي سيعرض وجهة نظر مصر وحججها القانونية والتاريخية والجغرافية أمام الهيئة، برئاسة نبيل العربي بصفته وكيل الحكومة المصرية. كان له نائبين: السفير أحمد ماهر السيد، الذي تولى إدارة الشؤون القانونية الدولية بعد مغادرة العربي لتلك الإدارة وانتقاله إلى جنيف، والسفير مهاب مقبل، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية في ذلك الوقت.
بعد انتهاء المرافعات الشفوية، التي جرت على جولتين في مارس وأبريل 1988، وبفضل محاولات المحكم الفرنسي بيليه للتوفيق بين الطرفين واقتراحه قبول الموقف المصري، أصبح من الواضح أن هيئة التحكيم تتجه نحو إصدار حكم لصالح مصر. وبدأت تتسرب بعض الأنباء غير المؤكدة حول ذلك.
ورغم محاولات إسرائيل المتكررة للمماطلة والتنصل من الالتزام بالتحكيم، أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي بيانًا في 14 يناير 1986 يؤكد فيه قبول إسرائيل اللجوء إلى التحكيم الدولي.
تحددت جلسة 29 سبتمبر 1988 في قاعة ألاباما الشهيرة بمقر حكومة مقاطعة جنيف للنطق بالحكم. وجاء حكم هيئة التحكيم قاطعًا وحاسمًا، إذ قضى بأن منطقة طابا تقع غرب الهضبة المطلة على خليج العقبة، وبذلك تكون ضمن الأراضي المصرية. وقد استند الحكم إلى أدلة مساحية وتاريخية وجغرافية لا جدال فيها.
كان كل طرف على علم مسبق بأن الحكم سيصدر لصالح مصر، وذلك بأغلبية أربعة أصوات مقابل صوت واحد.