بعد عام من اندلاع الحرب، تحدثت صحيفة “الجارديان” مع متطوعين من المملكة المتحدة يعملون في مجال الرعاية الصحية وسافروا إلى غزة خلال الأشهر الأخيرة.
أفاد الأطباء بأنهم يعملون دون الأساسيات مثل الأثواب الجراحية والشاش. كما أن سوء التغذية يمثل مشكلة كبيرة، إلى جانب تدهور الصرف الصحي وقلة الوصول إلى المياه.
وبدأت حملات التطعيم ضد شلل الأطفال الشهر الماضي، لكن الواقع القاسي، بحسب ما قاله الطبيب درويش، هو أن بعض الأطفال الذين يتلقون التطعيم سيُعتبرون من الضحايا في المساء.
وقال للصحيفة: “لا أستطيع حقا أن أتخيل كيف ستكون الأمور بعد شهرين. بعد ما رأيته هناك، أطلب من حكومتنا البريطانية، ومن رئيس الوزراء، أن يمضي قدما ويمارس الضغط على جميع الأطراف من أجل وقف إطلاق نار دائم وفوري، والسماح بتدفق المساعدات الطبية. كما يجب حماية المدنيين وحماية العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية، إنهم غير محميين وغير آمنين”.
وقالت الدكتورة آنا جيلاني، جراحة عظام الأطفال من ليفربول، والتي سافرت إلى مستشفى الأقصى في غزة في مارس، إن الحكومة فشلت في الاعتراف “بالمخاوف الحقيقية التي نواجهها كعمال إغاثة إنسانية”.
وأضافت أن المملكة المتحدة لم تستقبل مريضا واحدا من غزة، بينما قامت الإمارات العربية المتحدة وإسبانيا والاتحاد الأوروبي بإجلاء مرضى مرضى بجروح خطيرة وفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO).
وقالت: “أعمل في مؤسسة طبية استقبلت اللاجئين الأوكرانيين وقدمت لهم رعاية لعلاج السرطان، ورعاية من هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، وقد أُبلغنا بأنه لا يمكننا قبول المرضى من غزة لأن الحكومة لم تسمح بذلك. كيف يمكن أن نكون دولة متقدمة ولا نسمح باستقبال مريض واحد في مستشفياتنا بينما تحدث كارثة ضخمة من صنع الإنسان؟”
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 765 من العاملين في مجال الإغاثة والصحة من بين أكثر من 41,000 شخص قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على غزة. وتعرضت 32 من أصل 36 مستشفى في غزة لأضرار، و17 منها تعمل جزئيا فقط.
مع تكدس الشاحنات المحملة بالإمدادات الأساسية عند الحدود المصرية، حذرت مجموعات الإغاثة من أن أكثر من مليون شخص في غزة لن يحصلوا على ما يكفي من الغذاء هذا الشهر. ووفقاً لبيانات الأونروا، دخلت 1,386 شاحنة إنسانية إلى غزة في سبتمبر، مقارنة بـ 3,096 شاحنة في أغسطس و4,681 شاحنة في يوليو.
وقال الدكتور ياسر قريشي، جراح السرطان والجراحة العامة من لندن، الذي سافر إلى غزة في أبريل مع منظمة “الإغاثة الطبية للفلسطينيين” (MAP): “كان هناك الكثير من المرضى الذين ماتوا ببساطة لأننا لم نكن نملك الأطباء المختصين المناسبين أو الأدوية أو المعدات اللازمة”.
وصف قريشي عمله في مستشفى الأقصى، حيث كان يجري عمليات جراحية على المرضى الذين كانوا يعودون إلى غرفة العمليات بعد أيام بسبب تفاقم حالاتهم نتيجة سوء التغذية.
وقال: “تدخل بنوايا حسنة لمساعدة الناس وإنقاذ الأرواح، لكن الواقع هو أنك في الحقيقة تطيل أمد المعاناة. كانت هذه المرة الأولى في حياتي كطبيب وجراح أتمنى أحيانا ألا ينجو المريض أو لا يتمكن من الصمود”. وأضاف: “كان الأمر أكثر رحمة لو ماتوا. وهذه حقيقة قاسية ومؤلمة”.
وقال الدكتور خالد دواس، استشاري الجراحة وأستاذ مشارك في مستشفيات جامعة كلية لندن، إن ما يقرب من نصف المرضى الذين أجرى لهم عمليات جراحية خلال زيارته الأخيرة لمستشفى الأقصى في أبريل، ماتوا في غضون أسبوع.
وقال: “بعيدا عن الجانب الإنساني، كمحترف، من الصعب جدا تجاوز هذا الأمر وتقبله. إنه رقم صادم”.
من جانبه، قال الدكتور نظام مامود، 62 عاما، وهو جراح عام وأوعية دموية وزراعة، والذي تقاعد من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في عام 2022 وسافر إلى غزة مع منظمة “الإغاثة الطبية للفلسطينيين” في أغسطس، إن المنطقة بدت “ما بعد كارثية” عند دخوله، وإن مستوى الإصابات والأوضاع “لم أشهده في أي مكان آخر”.
وأضاف: “شعرت بعدم الأمان بطريقة لم أشعر بها في أي منطقة نزاع أخرى، لأن هناك دائما شعور بأن العاملين في الإغاثة والصحفيين ليسوا أهدافا مقصودة. لكن في غزة، يبدو أنهم كذلك. ولهذا السبب لم نغادر المستشفى أبدا”.
ما صدمه أكثر هو عدد أسرة العناية المركزة التي احتلتها الأطفال، وقال: “رأينا أطفالا مصابين برصاص فردي في الرأس، وهو ما يجب أن نستنتج أنه استهداف متعمد. رأينا أطفالا قدموا أوصافا واضحة للهجمات بالطائرات بدون طيار. مرة أخرى، استهداف متعمد. تهبط الطائرة بدون طيار، تحوم فوقهم، ثم تطلق النار”.
وأضاف: “ما يتفق عليه الجميع هو أننا بحاجة إلى وقف إطلاق النار، وأعتقد أن هذا كان مستعجلا منذ زمن طويل. وقف إطلاق نار يتضمن إطلاق سراح الرهائن ووقف القصف سيكون مفيدا للجميع”.