حكايات إسعاد يونس مع يسرا تخفف من حرارة الطقس.. ومحمود حميدة يعترف باحتقار المجتمع الإنساني للفن.. وهاني أبو أسعد يتحدث عن دور السينما في القضية الفلسطينية
رغم أن برنامج أفلام مهرجان الجونة السينمائي، يضم أكثر من 70 فيلما من بينها أفلام عالمية حاصلة على جوائز في مهرجانات دولية، إلا أن الأضواء في الأيام الأولى، ذهبت إلى الندوات التي أقامها المهرجان للنجوم، بدءا من ندوة الفنان محمود حميدة التي أقيمت بمناسبة تكريمه بجائزة الإنجاز الإبداعي، في اليوم التالي لحفل لافتتاح، وأدرتها الفنانة مريم الخشت، مرورا بالحوار التي أجرته الفنانة يسرا عضو اللجنة الاستشارية بالمهرجان مع الفنانة إسعاد يونس، في ثالث أيام المهرجان والذي سبقه أيضا حوار مع المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد أداره الناقد أحمد شوقي، وصولا إلى حوار الفنانة هند صبري التي أدارها شادي زين الدين، والتي كانت جميعا كاملة العدد، وشهدت اهتماما كبير من جمهور المهرجان والنجوم الذين حرص كثير منهم على الحضور، والمشاركة بالأسئلة، للتعرف أكثر على تجربة الفنان ضيف الندوة، وذكرياته وكواليس أعماله.
البداية كانت بندوة الفنان محمود حميدة، والتي تحدث خلالها عن تجربته في السينما، وكشف عن آرائه في كثير من القضايا، كان في مقدمتها النظرة إلى الفن باحتقار من المجتمع، حيث قال إنه كان ذات مرة يجلس مع مجموعة من أصدقائه وقال لهم، إن المهن المعنية بالتسلية، محتقرة من المجتمع الإنساني، فاعترضوا على كلامه، وقالوا له، هذا ليس صحيح، فقال لهم، إذا جاء أحد أبنائكم وقال لكم أنا أريد الزواج من هذه الراقصة، فكانت إجابتهم “مش للدرجة دي”، مشيرا إلى أن المهن الفنية لا غنى للمجتمع عنها، فهي روح المجتمع، ولا يستطيع الاستغناء عنه، لكن المجتمع في الوقت نفسه لا يريد أن يمنحها القيادة.
وعن أهمية الفن، قال حميدة، إنه عندما بحثت في التاريخ، اكتشفت إن مجموعة المهن المعنية بالتسلية هي في الأصل كانت عبادات حركية صوتية، موضحا أنه الإنسان عندما علم أن هناك إله، كان يخاطبه عبر الحركات الراقصة والأصوات بأشكالها المختلفة، ثم جاء بعد ذلك زمن المعتقدات فيه أصبحت أدبيات، وضعت في صحف تقرأ، وأصبح هناك كهنة، فهذه العبادات طردت خارج دور العبادة، لكنها في الأساس مهنة عبادة، لكنها وصل بها الحال إلى أن يقال عليها بأنها مهنة لا مهنة له.
وتحدث حميدة أيضا عن تضحيته في فيلم “جنة الشياطين”، الذي جسد خلاله شخصية “ميت”، وقال إنه من أجل هذا الدور ذهب إلى طبيب الأسنان وخلع أسنانه حتى يستطيع تجسيد الشخصية التي تطلبت ذلك، لافتا في الوقت نفسه إلى أنه في فيلم “فارس المدينة” كان يتم التعامل معه أثناء التصوير وكأنه من “عمال الترحيلات”، فكان يجلس على “قهوة بعرة” ضمن تجمع، وتحضر إليه سيارة التصوير من أجل اصطحابه إلى أماكن التصوير المختلفة، حيث جرى تصوير معظم المشاهد في الشوارع.
أما الفنانة إسعاد يونس، فاستطاعت خلال الحوار الذي أجرته معها الفنانة يسرا، أن تسيطر على الأجواء بحكاياتها وذكرياتها المضحكة والمسلية، فلم يشعر الحضور على مدار أكثر من 90 دقيقة بأن الوقت يمر، رغم أن المكان الذي أقيمت فيه الجلسة كان شديد الحراراة، لدرجة أن المنظمين وزعوا “مراوح يدوية” على الحضور، كما أن الفنان أشرف عبدالباقي تدخل في الحوار، ليطلب من يسرا وإسعاد يونس تحريك مكانهما على المنصة من الشمس المسلطة عليهما إلى الضل رأفة بهما.
وتحدثت إسعاد يونس، خلال الجلسة الحوارية عن بدايتها في إذاعة الشرق الأوسط، وصداقتها بالفنانة يسرا التي بدأت منذ مشاركتهما معا في فيلم “الأفوكاتو”، والتي استمرت حتى الآن، والمواقف الكثيرة التي جمعتهما مع الفنانة سهير البابلي في الفن والحياة، كما وجهت رسالة إلى الفنان عادل إمام، بدوام الصحة، وأن يكون سعيد باختياره، وبالجلوس مع أحفاده، المحظوظين بوجوده معهم.
ولم تنس إسعاد يونس، أن تذكر أصحاب الفضل عليها خلال مشوارها، وذكرت من بينهم الإذاعي طاهر أبو زيد، والكاتب الراحل عبدالوهاب مطاوع، والفنانين علي الشريف، وسهير البابلي.
وكانت الجلسة الثالثة للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، ودارت حول رحلته إلى العالمية ودور السينما في القضية الفلسطينية والمعوقات التي يفرضها النظام المهيمن على العالم على الأفلام الهادفة.
استهل أبو أسعد حديثه بتسليط الضوء على تشكيل هويته كصانع أفلام، فعرف نفسه على أنه إنسان بالمقام الأول وقال: “لا يستطيع الإنسان تحقيق التقدم إلا من خلال مجموعة لها حقوق متساوية وهو ما نفتقده هذه الأيام في ظل إعلان مشروع حرب لتدمير العالم العربي”، مؤكدا أنه كعربي وفلسطيني يقف في وجه هذا المشروع من خلال استعمال كل مواهبه للدفاع عن العالم العربي.
وفي السياق ذاته، أكد أبو أسعد بالرغم أنه هاجر إلى أوروبا عند الثامنة عشر إلا أنه مازال مرتبط بجميع شرائح المجتمع الفلسطيني.
وعن الصعوبات التي تواجه أبو أسعد في إخراج أفلام تحمل قيمة علق قائلاً: “أغلب التمويل العربي للأفلام هو مشروط وجميع المواضيع الهامة عليها رقابة، لذلك أتمنى أن يفهم المسئولين أن مناقشة مثل هذه المواضيع هي إثراء للمجتمع”، موضحا أن صناع السينما الآن في حالة تخبط لأن النظام المهيمن يفرض عليهم التنازل عن بعض المبادئ ولذلك أقترح أن ننشئ منظومة خاصة بصناع الأفلام العرب مثل “البريكس” ولكن بالتركيز على السينما”.
إلى جانب الندوات، افتتح معرضان للفنون البصرية، الأول بعنوان “مدن مصرية احتضنت السينما”، والذي يبرز أهمية المدن المصرية والأدوار التي تلعبها المدن في الأفلام السينمائية، من خلال مقتطفات فيديو تم تجميعها من أكثر من 50 فيلماً، ويعرض كيفية تكوين هذه المدن لهوية الأفلام المصرية، وكيف تمكنت الأفلام من تعزيز السرد الفني باختيار المكان وإبراز الجوانب الثقافية والتاريخية لكل مدينة، ومنها الفيوم، والأقصر، وأسوان، ومدن القناة، والواحات، والبحر الأحمر، وسيناء، والإسكندرية، ومرسى مطروح، والقاهرة.
ويحاول المعرض توثيق تاريخ هذه المدن من خلال الأفلام السينمائية، والتأكيد على أن المواقع الخارجية في الأفلام، تجسد صورة المدن المصرية في السينما، وأنها لم تكن مجرد خلفيات للأفلام، بل كانت جزءًا أساسيًا من السرد القصصي والرؤية السينمائية.
أما المعرض الثاني “محمد بكر: ستون عامًا من السينما”، فهو ليس معرضًا منفصلًا، بل يعتبر معرضاً تكميلياً لمعرض “مدن مصرية احتضنت السينما”، حيث يضم المعرض أكثر من 100 صورة سينمائية للمصور المصري محمد بكر، شيخ المصورين السينمائيين، تم اختيارها من بين أكثر من 2000 عمل سينمائي صورها بكر من عام 1956، حيث يغطي المعرض 6 عقود زمنية من الستينات وحتى الألفينات.
وكان اليوم الثالث من المهرجان من نصيب صناع الفيلم الوثائقي المصري “رفعت عيني للسما”، حيث فاز مخرجيه ندى رياض وأيمن الأمير، بجائزة فارايتي، التي يتم منحها على هامش فعاليات مهرجان الجونة، وفي اليوم نفسه كان العرض الأول للفيلم بحضور كامل العدد.
الفيلم الذي حصل على جائزة العين الذهبية في الدورة الأخيرة من مهرجان كان، بطولة فريق مسرح بانوراما برشا، ماجدة مسعود، وهايدي سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا هارون، ويوستينا سمير مؤسسة الفريق.
وتدور أحداثه حول مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي، بشوارع قريتهن الصغيرة لتسليط الضوء على القضايا التي تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلاما تفوق حد السماء، وقد استضافت قرية البرشا في محافظة المنيا فريق عمل الفيلم على مدار العديد من الأعوام.