يضم شهر نوفمبر عدداً من الأفلام المصرية في السينما ذات البطولة النسائية، مثل “الهوى سلطان”، و”آل شنب”، و”وداعاً حمدي” وهو العمل محل التركيز في السطور القادمة، وتدور أحداثه داخل شقة سكنية فاخرة لإحدى البشوات المتوفيين وقد ورثتها ابنته عارفة بطلة الحكاية.
ويضم الفيلم آية سماحة في شخصية الصحفية تماضر، وشيرين رضا في شخصية عارفة هانم، وانتصار في شخصية والدة تماضر، وضيوف الشرف: إنجي المقدم، وعلي الطيب، وبيومي فؤاد، وأحمد فهيم، وألفت عمر، وهو من تأليف السيد عبدالنبي، وإخراج محمود زهران.
ويستهل الفيلم أولى مشاهده، بشخصية عارفة وهي تجلس وحيدة في منزلها وفي الخلفية أغنية سعاد حسني “شيكا بيكا” آتية من التلفزيون، بينما تضع عارفة شريطة سوداء على صورة لم يتم الكشف عن هويتها، وهو أفضل مشهد على مستوى الإخراج في الفيلم بأكمله، بل بداية تعبر عن الشخصية أنها في حالة حزن وتشعر بضياع شيء كبير في حياتها، ثم ينجرف الفيلم فيما بعد إلى سيناريو من الأحداث اللامنطقية والسطحية التي تدور في فلك العلاقة بين عارفة والصحفية تماضر، التي تحاول إجراء حوار معها.
ومن المفترض أن فيلم “وداعاً حمدي” هو عمل كوميدي في الأساس، حاول بناء الكوميديا داخل أحداثه من خلق المفارقة بين شخصية تماضر وشخصية عارفة، وأسلوب المفارقة هو أسلوب معروف لخق أجواء كوميدية ويعني الخلط وعدم الانسجام.
ووفقاً لما قاله الدكتور أسامة القفاش في كتابة “فن الكتابة الكوميدية”: “المهم في كاتب الكوميديا أن يكون منظماً يعرض كيف يصنع البنية التي يتم توليد الكوميديا من خلالها.. لأنها صياد يقتنص الأفكار ذات الإمكانات الكوميدية”، وهو لم يستطع فعله كاتب سيناريو الفيلم.
وتتسم المفارقة التي خلقها الفيلم بالسذاجة وليس خفة الظل، سمات شخصية تماضر التي من المفترض أنها يتم الاعتماد عليها كلياً في خلق الكوميديا، شخصية فقدت البوصلة بين البساطة والانسياق وراء والدتها، وبين السقوط في فعل مواقف يمكن وصفها بـ “غير المتزنة”، هل من المنطقي أن تعمل فتاة في صحيفة لا تستطيع الحديث بشكل سليم سواء باللغة العربية أو الإنجليزية وكأنها خادمة أو فتاة شعبية لم تكمل تعليمها، هذا اللامنطق ينضح من الشخصية بأكملها، على سبيل المثال عدم علمها بمكان المياه المعدنية واستخدام مياه الكلب التي يشرب منها افتراضاً أنها بالتأكيد مياه معدنية لأن عارفة هانم تعامل الكلب بشكل جيد، هل هذه الكوميديا أم غباء، حيث يعتمد الكاتب على غباء الشخصية بشكل كُلي -وليس أداة مساعدة- لاستخراج الضحك.
بالإضافة إلى تجاهل الكاتب تماماً لإمكانيات الصحفي الحديث وأسلوب عمله وعدم علمه بالفروق بين الأنواع الصحفية، مما جعل الشخصيات التي من المفترض في مناصب صحفية مثل “رئيس التحرير” في المجلة التي تعمل بها تماضر ووالدتها التي تعمل بالأرشيف لا يفرقون بين التحقيق والحوار والتقرير وفي كل مرة يستخدمون لفظ مختلف على نفس الموضوع، على الرغم من أنهم شخصيات يجب أن يكونوا على دراية.
أما شخصية عارفة هانم، والتي تعامل تماضر بشكل مُتعالي منذ اللحظة الأولى، بل يصل الأمر حد الإهانات المتكررة، هل من المنطقي أن يتحمل إنسان “وظيفته صحفي” كم الإهانة والتقليل والتجريح بسبب موضوع سوف يكتبه، ثم يتحول موقف عارفة إلى النقيض تماماً في لحظة خاطفة، من شخص يشعر بالاشمئزاز نحو تماضر وتستخدم أكياس بلاستيكية معقمة مكان جلوسها، إلى حب ومودة مفاجئ ينتهي أنها تمنحها فستاناً وحذاًء ترتديه، ولم يتم التمهيد درامياً أو حدوث تطور منطقي للأحداث حتى يقع هذا التغيير.
هناك عشرات المواقف في الفيلم غير المنطقية ولم يتم بنائها على أساس “تطور الحدث الدرامي”، أو زرع تفاصيل درامية كافية تبرر حدوثها، مثل ظهور بيومي فؤاد المفاجئ، وعلى الرغم من أن الفيلم وسيط بصري في الأساس وتوظيف الفعل المرئي لإخراج الضحك والتعبير عن الموقف استخدم كثيراً في أفلام كوميديا، إلا أن المؤلف اختار استخدام أسلوب الحكي على لسان الشخصيات لِقَص تفاصيل قصة حبه التي دمرت بسبب حمدي باشا والد عارفة، وهي القصة الكليشيه المعتادة عن الشاب الفقير الذي يحب ابنة رجل ثري.
حاول الفيلم زرع نصيحة من وراء هذه الأحداث وهي منح تماضر فرصة للتمرد على والدتها المسيطرة على حياتها، حتى لا تصبح مثل شخصية عارفة التي دمر والدها حياتها، ولكن هذه الفكرة الجيدة لا يمكن أن تلقى صدى لدى الجمهور في فيلم يبتعد عن مقومات السيناريو الكوميدي الجيد.