على مدار الأسبوعيين الماضيين اهتم عدد واسع من الصحف الإفريقية والدولية بمشروع ممر لوبيتو الذي سيكون من بين أهم الملفات التي يبحثها الرئيس الأمريكي جو بايدن، في رحلته الإفريقية الأولى والأخيرة اليوم إلى أنجولا.
وتستضيف أنجولا عددًا من المشاريع الحالية والمستقبلية المهمة التي تشارك فيها الولايات المتحدة، والتي تشمل بناء وتشغيل مصفاة نفط في سويو، شمال أنجولا، لكن يظل تطوير ممر لوبيتو هو الأكبر والأهم على أجندة الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز الاستثمار والاستفادة من موارد القارة الغنية بشكل خاص المعادن.
يشمل مشروع ممر لوبيتو تطوير خط سكة حديد بين لوبيتو على ساحل المحيط الأطلسي في أنجولا، ومنطقة حزام النحاس في زامبيا، ومناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو ما يربط وسط أفريقيا الغني بالموارد بميناء على المحيط الأطلسي.
ويستخدم ممر لوبيتو خط سكة حديد بنجويلا الذي يبلغ طوله 1344 كيلومترًا، يعبر أنجولا من الغرب إلى الشرق ويتصل بالمسارات الكونغولية، لكن بسبب الحرب الأهلية في أنجولا التي استمرت ثلاثة عقود، لم يتبق في الخدمة في عام 2001 سوى 34 كيلومترًا من المسارات.
وتتضمن الخطة بناء 550 كيلومترًا من السكك الحديدية في زامبيا و260 كيلومترًا من الطرق، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبنك التنمية الأفريقي، الذي سيساهم بمبلغ 500 مليون دولار في المشروع الذي تبلغ تكلفته 1.6 مليار دولار.
كان الاتحاد الأوروبي قد وافق في سيبتمبر الماضي على الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتعاون في دعم تطوير الممر، حيث يتمثل الشركاء الرئيسيين في المشروع في المفوضية الأوروبية، وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وحكومة جمهورية زامبيا، وحكومة جمهورية أنغولا، وحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، والبنك الأفريقي للتنمية، ومؤسسة التمويل الأفريقية.
ويتولى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قيادة الدعم المقدم لتنمية الممر، بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية، والتدابير الناعمة لتسهيل التجارة والعبور، والاستثمارات في القطاعات ذات الصلة لتعزيز النمو المستدام والشامل، والاستثمارات الرأسمالية (سلاسل القيمة الزراعية، والطاقة، والنقل/الخدمات اللوجستية، والتعليم والتدريب التقني والمهني) على طول الممر في أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا.
هدف الممر
يرى مراقبون أن أمريكا وأوروبا لا يريدون التخلي عن الموارد الثمينة في المنطقة لصالح الصينيين، لذلك يسعى ممر لوبيتو وهو جزء من الشراكة الأمريكية للبنية التحتية العالمية والاستثمار إلى تأمين الروابط مع الموارد والأسواق الأمريكية.
رغم الخسائر المتوقعة من الاستثمار في البنية الأساسية، يتصور أن يحقق المشروع تدفقات تجارية غربا عبر المحيط الأطلسي، وهو ما سيساعد في الحصول على المعادن والسلع الأساسية اللازمة للتحول في مجال الطاقة، وخاصة من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويشكل النحاس هدفا رئيسيا حيث يتمتع ممر لوبيتو بإمكانية تأمين خطوط الإمداد من كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، حيث يربط خط السكة الحديدية الجديد حزام النحاس الزامبي بميناء على المحيط الأطلسي لأول مرة. ففي السابق، كانت صادرات المعادن الزامبية تميل إلى التدفق شرقا للتصدير من ميناء دار السلام في تنزانيا.
وسوف يعمل ممر لوبيتو على إطلاق العنان للإمكانات الهائلة للمنطقة، وتعزيز إمكانيات التصدير لأنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وخلق القيمة المضافة وفرص العمل من خلال الاستثمارات والتدابير الناعمة- حسب المفوضية الأوروبية.
نطاق العمل
لن تتوقف أعمال الإنشاء في الممر في أنجولا فقط، حيث كان الوزراء المسئولون عن النقل وتطوير الممرات من أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بدعم وتنسيق من أمانة مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC)، وقعوا في يناير الماضي اتفاقية وكالة تيسير النقل العابر لممر لوبيتو والتي تهدف إلى تيسير النقل العابر لممر لوبيتو إلى توفير طريق فعال وكفء يسهل نقل البضائع داخل الأراضي بين الدول الأعضاء الثلاث في الممر، من خلال توحيد السياسات والقوانين واللوائح، و تنفيذ أدوات تيسير التجارة.
توقعات بأرباح محلية ودولية
بمجرد تشغيل البنية الأساسية للنقل التي تربط بين البلدان الثلاثة بالكامل، فإن الخط سوف يعزز إمكانيات التصدير لزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنجولا، ويعزز التداول الإقليمي للسلع ويعزز قدرة المواطنين على الحركة- حسب تقديرات البنك الأفريقي للتنمية.
ومن المتوقع أن يساعد الممر في تقليص متوسط وقت النقل، وخفض تكاليف الخدمات اللوجستية والبصمة الكربونية لتصدير المعادن والسلع الزراعية وغيرها من المنتجات، فضلا عن التطوير المستقبلي لأي اكتشافات معدنية.
وقال تحليل لموقع جيو بوليتكال مونيتور، إنه “لا يمكن المبالغة في أهمية ممر لوبيتو، ولا يمكن المبالغة في توقيته”. موضحا أنه يظل الاستثمار المباشر الأجنبي الصيني في إفريقيا أعلى من الدول الغربية، حيث بلغ متوسطه حوالي 4 مليارات دولار من 2019-2021 بينما تحول الاستثمار المباشر الأجنبي الأمريكي إلى سلبي في بعض السنوات.
وأوضح التحليل أن الميزة التنافسية الصينية في أفريقيا تقلصت مؤخرًا بسبب التباطؤ الاقتصادي بعد الوباء وضعف قدرات الإقراض في انخفاض الاستثمار المرتبط بمبادرة الحزام والطريق في إفريقيا، من 16.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 7.5 مليار دولار في عام 2023 – وهو انخفاض بنسبة 55%. وعلاوة على ذلك، فقد ساد شعور بالتعب حيث تدهورت تصورات الحزام والطريق عبر العديد من المناطق الجغرافية من 2017 إلى 2022 ويرجع ذلك جزئيًا إلى مخاوف الديون المتزايدة في دول مبادرة الحزام والطريق.
لكن تظل توقعات زيادة الطلب العالمي على المعادن الأساسية في العقود المقبلة الحافز الأكبر للتحركات الأمريكية والأوروبية والمنافسون من الصين وروسيا في أفريقا بخاصة معادن النحاس والكوبالت والليثيوم، التي تزود الأجهزة الإلكترونية وألواح الطاقة، حيث إن كيفية تطوير هذه المعادن الأساسية ستؤثر بشكل كبير على المستقبل الاقتصادي للقارة وما بعده، بل وحتى تؤثر على السلام والاستقرار. بخاصة وسط المنافسة الجيوسياسية الأمريكية مع الصين، التي تهيمن على العديد من قطاعات التعدين الأفريقية- حسب تحليل لمعهد دراسات السلام الأمريكي.