تلاحقتِ المبادرات الإقليمية والدولية خلال الأيام الماضية للمشاركة في وضع تصور لإنهاء الحرب الأهلية في السودان.
ويبدو أن هذا الزخم الإقليمي والدولي قد جاء عقب إشارة من حاكم العالم في البيت الأبيض الأمريكي، فقد أعربتِ الولايات المتحدة الأمريكية على لسان كبار مسؤوليها خاصة وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن رغبتها في وقف الحرب وإسعاف النازحين والمتضررين منها، وتعاقبتِ المواقف الدولية التى تبنت هذا الاتجاه حيث أعربت تركيا عن رغبتها في القيام بالوساطة بين السودان والإمارات من ناحية، ولعب دور لإنهاء الأزمة بالداخل من ناحية أخرى. كما ساند العديد من الدول الإفريقية ضرورة وقف الحرب، والمشاركة في الجهود الساعية لذلك.
والتزمت دولة الإمارات العربية أمام جلسة مجلس الأمن التى عُقدت نهاية الأسبوع الماضي بوقف دعمها العسكري لميليشيا الدعم السريع. وفي وصف بأنه تحرك محسوب لأمريكا، وينفذ أهدافها في السودان، أعلنت عن تقديم 200 مليون دولار مساعدات للسودان، وخصصت 30 مليون دولار منها لدعم المجتمع المدني، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية لا تزال متمسكةً بدعم مناصريها من التيارات السياسية التى تتبنى التدخل الأمريكي والغربى في البلاد، وتتخذ موقفًا معاديًا للحكومة الشرعية، ومجلس السيادة بزعامة عبد الفتاح البرهان، كما يعتبر قادة المجتمع المدني أنفسَهم أصحاب الثورة، ومن ثم رفض مشاركة أي تيارات أخرى في إدارة العملية الانتقالية، أو رسم مستقبل السودان.
أمريكا إذن تريد وقف الحرب بالسودان مع استبعاد الجيش، والشكل العسكري للدعم السريع وتسليم السلطة والقرار لمجموعات تقدم التي يقودها عبد الله حمدوك وآخرون ينتسبون إلى المجتمع المدني. وتأتي الرغبة الأمريكية في إنهاء الحرب بغرض تبريد المناطق الساخنة في العالم قبل القيام بحرب شاملة ضد روسيا، وهو ما كشف عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين الذي قال نهاية الأسبوع الماضي إن الغرب يحضِّر لهجوم شامل على بلاده.
وانطلاقًا من هذا الأمر قامت أمريكا وحلفاؤها بإنهاء الوجودَين الروسي والإيراني من سوريا حتى يصبح استهداف إيران مع روسيا دون أي مشاكل سياسية أو عسكرية في المنطقة. كما أن إنهاء الحرب في السودان بالطريقة الأمريكية التي خططت لها إدارة جو بايدن يمثل انتصارًا كبيرًا لتلك الإدارة، لأنها تضمن طرد روسيا من السودان ووضع ممثليها على رأس السلطة. إذن هي مرحلة إحلال وتجديد تقوم بها أمريكا الآن بالسودان وسوريا وفلسطين. ويتوقع المراقبون أن تحاول أمريكا وإسرائيل تغيير النظام في إيران بعد تدمير قدراتها النووية والاستراتيجية.
السودان إذن أمام فرصة دولية لإنهاء الحرب يمكن أن يكسبها إذا ما توحَّدتِ الإرادتان الشعبية والسياسية مع الإرادة العسكرية في إنهاء هذه الأزمة غير المسبوقة مع الاحتفاظ بوحدته واستقلاله وإزاحة الفرص من أمام العملاء لتولي الحكم في البلاد.والحقيقة أن إلقاء كميات من الدولارات الأمريكية في الشارع السوداني يمكن الاستفادة منها بعملية فرز أخيرة تفصل بين أولئك القابضين على حب السودان واستقلاله ووحدة أراضيه وبين اللاهثين خلف الدولار والذين يستبيحون بيع الوطن قطعة قطعة.