من المفارقات أن يرتبط تاريخ المقصلة في فرنسا والذي بدأ في عام 1792 وانتهى في عام 1977، بمهاجر من أصل عربي كان أدين في جريمة قتل، ليكون آخر من أعدم بهذه الوسيلة في هذا البلد.
الجزائر.. بين ظلال مروحة ريش النعام و”اليرابيع” النووية الفرنسية!
على عكس الشائع بأن السياسي الفرنسي والطبيب المتخصص في التشريح جوزيف جيلوتين، هو مخترع “جيوليتين” أي المقصلة التي تحمل اسمه، إلا أن الرجل اقترح فقط في عام 1791 استخدام آلية كانت “أثبتت” نجاحها في ذلك الوقت في أيرلندا واسكتلندا، في بلاده للتخلص من المحكوم عليهم بالإعدام بسرعة.
تاريخ المقصلة:
نصبت المقصلة في ساحة غريف في باريسن ونفذ بواسطتها لأول مرة في 25 ابريل 1792 حكم الإعدام على نيكولاس بيليتييه، المدان بالسرقة والقتل، إلا أن هذه الطريقة لم ترض الحشد الذي تجمع للتفرج على تنفيذ حكم الإعدام الذي كان يجري في العادة في الأماكن العامة، لأن العملية تمت بسرعة كبيرة.
على الرغم من ذلك، استمر استخدام المقصلة في تنفيذ أحكام الإعدام في فرنسا لأكثر من قرن، ولم يتغير إلا نقلها بعد أول عملية قصاص بواسطتها، من ساحة غريف إلى ساحة الثورة في باريس.
هذه الأداة الرهيبة، كانت استخدمت على نطاق واسع خلال الثورة الفرنسية، حتى أنها ارتبطت بعصر الإرهاب، ما أسهم في الحد من انتشار استعمالها في أوروبا، باستثناء العمل بها في ولاية “سكسونيا” بألمانيا في عام 1853، وفي ولايات ألمانية أخرى فيما بعد.
علاوة على ذلك ينتشر اعتقاد خاطئ آخر بأن جوزيف جيلوتين، مات بالوسيلة التي دفع إلى استعمالها في تنفيذ أحكام الإعدام، إلا أن جيلوتين في حقيقة الأمر مات حتف أنفه في عام 1814.
أسرة هذا الطبيب الفرنسي طالبت بتغيير اسم المقصلة، وحذف اسم العائلة منها، إلا أن السلطات الفرنسية رفضت، فما كان من أفراد أسرة جيلوتين، إلا أن قاموا بأنفسهم بالتخلص من اللقب الذي ارتبط بالمقصلة.
المدهش أن المقصلة بقيت الأداة الأكثر شيوعا في تنفيذ أحكام الإعدام في فرنسا حتى النصف الثاني من القرن العشرين، فيما كانت أحكام الإعدام في البلدان الأوربية تنفذ بطرق أخرى.
أما قصة آخر ضحية للمقصلة، فقد كانت في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، وجرى ذلك في 10 سبتمبر 1977.
في ذلك اليوم قطع رأس حميدة الجندوبي وكان يبلغ من العمر 28 عاما في سجن “بوميت” في مرسيليا بعد إدانته في جريمة قتل.
القصة تقول إن الجندوبي تعرف على إليزابيث بوسكيه، وبعد فترة تقدمت الفتاة بشكوى ضده، أفادت فيها بأنه أجبرها على ممارسة الدعارة.
بعد عدة أشهر، اختطف المهاجر الجندوبي، حسب الرواية الرسمية، الفتاة وانهال عليها ضربا، ثم اصطحبها إلى ضواحي مرسيليا حيث قتلها خنقا.
إعدام الجندوبي بالمقصلة كان الأخير، على الرغم من أن عقوبة الإعدام ذاتها بقيت في هذا البلد أربعة سنوات أخرى بعد هذا التاريخ.
المجلس الوطني الفرنسي “البرلمان”، صوّت في 18 سبتمبر 1981 لصالح إلغاء هذه العقوبة بـ 369 صوتا مقابل 113. وفي 30 سبتمبر أقر مجلس الشيوخ القانون من دون تعديلات.
المقصلة التي ظلت الوسيلة الوحيدة لتنفيذ أحكام الإعدام في فرنسا لقرن من الزمن، انتهى تاريخها وجرى تفكيكها، ولم تجد أي متحف يقبل أن يعرضها ضمن مقتنياته.