بعد أن نفذ طراد البحرية الأمريكية الثقيل “إنديانابوليس”، مهمة سرية نقل خلالها “صناديق غامضة”، اعترضته غواصة يابانية وأغرقته في أسوأ حادث من نوعه في تاريخ البحرية الأمريكية.
“معجزة على الأرض”.. يهودي وعربي على طاولة واحدة!
كانت تلك السفينة الحربية الأمريكية مزودة بأسلحة قوية، وكان حجمها بمساحة ملعبي كرة قدم، وقد أوصلت بنهاية يوليو عام 1945 إلى جزيرة “تينيان” المرجانية في المحيط الهادئ، حيث توجد قاعدة قاذفات القنابل الأمريكية “بي- 29 “، شحنة سرية، عبارة عن يورانيوم 235 ومكونات أخرى لتجميع القنبلة نووية الأولى التي ألقيت لاحقا على مدينة هيروشيما اليابانية.
كانت السفينة بطاقمها المكون من 1197 بحارا، قد أمرت بضمان سلامة “الشحنة النووية” وإيصالها إلى هدفها بأي ثمن في حالة وقوع هجوم أو حدوث أعطال فنية، ولم يكن قائد الطراد الثقيل الأدميرال تشارلز بتلر ماكفي ولا أفراد طاقمه على علم بطبيعة تلك الشحنة.
تلقى الطراد الأمريكي “إنديانابوليس” أوامر بالإبحار إلى جزيرة غوام، ثم إلى جزيرة ليتي الفلبينية، فيما طلب الأدميرال تشارلز بتلر ماكفي بتزويده بسفن دعم ومرافقة لاجتياز طريق “غوام – ليتي” البحري الخطر، وذلك تحسبا لهجوم من قبل الغواصات اليابانية خاصة أن تلك السفينة الحربية لم تكن مزودة بنظام كشف مضاد للغواصات.
رفض الطلب بحجة عدم وجود سفن حربية يابانية في المنطقة، وتركت سلامة السفينة الحربية وطاقمها عمليا للصدفة والحظ الحسن.
لم يوات لا الحظ ولا الصدفة، فقد كانت الغواصة اليابانية “أي – 58″، بقيادة الكابتن ماتسورا هاشيموتو، تترصد السفن البحرية الأمريكية في المنطقة. كانت تلك الغواصة إضافة إلى سلاح الطوربيد مزودة بغواصات صغيرة يقودها انتحاريون.
الكابتن هاشيموتو أكد أن الهدف المعادي الذي رصد حينها ليلة 30 يوليو عام 1945، أطلقت في اتجاهه طوربيدات ولم تستعمل ضده الغواصات الانتحارية، مشيرا إلى أن الهدف أصيب من مسافة 4 أميال وبعد دقيقة و10 ثوان حدث به انفجار قوي، فيما غادرت غواصته المنطقة تحسبا لأي هجوم انتقامي.
لم يعرف أفراد طاقم الغواصة اليابانية نوعية السفينة التي تمت مهاجمتها، فيما دمر أحد الطوربيدات غرفة المحرك في الطراد الأمريكي ما أسفر عن مقتل جميع من كان هناك.
كانت الإصابة قاتلة، لذلك أمر الأدميرال ماكفي البحارة بمغادرة السفينة على الفور. قتل بسبب الهجوم 296 بحارا فيما تمكن 900 آخرين من القفز في الماء وغرقت السفينة ونزلت إلى القاع بعد 12 دقيقة من إصابتها.
على الرغم من عدم وجود طوافات نجاة كافية، إلا أن البحارة الأمريكيين الذي بقوا على قيد الحياة كانوا يأملون أن يتم إنقاذهم في أقرب وقت وخاصة أنها أرسلوا نداء استغاثة، إلا أن مأساتهم لم تنته عند هذا الحد وتدخلت أسماك القرش جائعة في هذه الحادثة الأسواء من نوعها في تاريخ البحرية وأيضا أشرس هجوم مسجل لأسماك القرش.
قيل إن البحرية الأمريكية لم تتعامل بجدية مع نداء الاستغاثة وإشارات الطوارئ التي أطلقتها السفينة الحربية المنكوبة، ووجد البحارة الأمريكيون أنفسهم في محيط شاسع من المياه الزرقاء محاطين بأسماك القرش الجائعة.
رائحة الدم اجتذبت أعداد كبيرة من أسماك القرش. التهمت الأسماك جثث القتلى ثم بدأت في ترصد ومهاجمة الأحياء.
أحد البحارة الذين نجوا ويدعى لويل كوكس قال في مقابلة عن تلك اللحظات المرعبة: “كانوا حولنا باستمرار، يلتهمون جثث الموتى. نحمد الرب أن العديد من القتلى كانوا بالقرب منا”، مشيرا إلى أن سمكة قرش تحرشت بساقيه وكادت أن تسحبه إلى الأعماق، وأنه شعر أن قلبه توقف في تلك اللحظة، وأنه تمكن من رؤية الحجم الهائل لتلك الأسماك لأن مياه المحيط كانت صافية.
أثناء تلك المأساة، في كل يوم كانت أسماك القرش تلتهم من ثلاثة إلى أربعة بحارة، علاوة على مكابدة الجوع والعطش واليأس.
بعد عدة أيام من ذلك الكابوس الرهيب، رصدت طائرة استطلاع مائية أمريكية أخيرا بقايا طاقم السفينة الحربية “إنديانابوليس” وجرى تنظيم عملية إنقاذ كبيرة.
من بين 900 بحار نجوا من هجوم الغواصة اليابانية، بقي على قيد الحياة 317 فقط، وأكثر من نصف القتلى قضت عليهم أسماك القرش.
البحرية الأمريكية لم تعترف بتقصيرها وبمسؤوليتها عما حل للبحارة، ولتجنب الفضيحة، ألقت باللوم على الأدميرال ماكفي.
دافع البحارة الذين نجوا بحرارة لسنوات عن قائدهم، لكنه أدين من قبل محكمة عسكرية، وتعرض للتهديد والمضايقات وإلى هجوم صحفي ضده.
استمر هذا الحال حتى عام 1968، وبحلول ذلك الوقت لم يعد الأدميرال يتحمل ودفعته الضغوط الشديدة إلى الانتحار. بعد 50 عاما على غرق سفينته، جرت تبرأته من التهم التي وجهت إليه، وطويت تلك الصفحة.