ما أن دخل العالم الكندي جيرالد بول في 22 مارس 1990 شقته في بروكسل، حتى أصيب بمسدس كاتم للصوت بثلاث رصاصات في الظهر واثنتين في الرأس، وبقيت عملية الاغتيال غامضة حتى الآن.
واقعة مهينة للقوات البريطانية في العراق
صحيفة نيويورك تايمز، ذكرت في ذلك الوقت أن فرقة الشرطة البلجيكية حين وصلت إلى مسرح الجريمة كان المفتاح يتدلى من قفل باب الشقة، كما عثر على 20000 دولار نقدا في حقيبة العالم الكندي المقفلة.
لا يزال حتى الآن قاتل جيرالد بول مجهولا، وفيما ترجح إحدى الروايات أن يكون جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد وراء الاغتيال، تربط روايات أخرى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية وحتى جنوب إفريقيا وإيران بالعملية.
قبل عملية الاغتيال بأشهر، تعرضت شقة بول في العاصمة البلجيكية بروكسل للاقتحام عدة مرات، ويعتقد أن ذلك كان التحذير الأخير الذي وجه إليه بسبب عمله مع العراق على صنع “مدفع صدام العملاق”.
في ذلك الوقت لم يكن العراق على عداوة مع الولايات المتحدة ودول الغرب، وكانت العلاقات بين الجانبين جيدة، وكانت بعض البنوك الغربية على علاقات وطيدة مع بغداد أثناء الحرب مع إيران بين عامي 1980 – 1988.
بعد مرور أسبوعين من عملية اغتيال العالم الكندي في بروكسل، صادرت الجمارك البريطانية، بناء على طلب من جهاز الاستخبارات الخارجية ” إم آي 6 “، شاحنة كانت تحمل مكونات مدفع فائقة عند مخرج ميناء “تيسبورت” في شمال يوركشاير، وجرى الإعلان عن ضبط “أجزاء من خطوط أنابيب”!
العالم الكندي جيرالد بول الذي يوصف بالموهوب، هو مهندس متخصص في المقذوفات، وينسب له دور كبير في تطوير المدفعية بعيدة المدى في القرن العشرين.
كان هذا العالم الكندي قد عمل خلال سنوات الستينيات في مشروع “هارب” ضمن فريق من 300 خبير ومتخصص، بتمويل من الولايات المتحدة وكندا. والأخيرة، وجدت في هذا المشروع فرصة للانضمام إلى سباق غزو الفضاء بتكلفة منخفضة للغاية.
في ذلك المشروع الواعد نجح هذا المهندس في خطوة أولية في إطلاق مقذوف بوزن طن ونصف إلى ارتفاع 66 كيلو مترا، ثم زاد الارتفاع في عام 1966 إلى 180 كيلو مترا.
لم يتحقق هدف المشروع النهائي بإيصال جسم بواسطة هذا النوع من المدافع الفائقة إلى مدار في الفضاء ما أدى إلى خفض التمويل ثم إلى إغلاق المشروع نهائيا في عام 1968.
على الرغم من كل ذلك، ظل جيرالد بول مصرا على فكرته بأن مشروع المدفع الفائق هو الطريق إلى المستقبل، والشيء الوحيد الذي يحتاجه هو التمويل.
بعد محاولات فاشلة للعمل في جنوب إفريقيا عرضته للسجن في مرة وإلى دفع غرامة كبيرة في مرة ثانية، اتصل به ممثلون للحكومة العراقية في عام 1981، ودعوه إلى العمل في بلادهم.
لم تعترض الدول الغربية حينها على مثل هذا التعاون لأنها في ذلك الوقت لم تكن تعتبر العراق بقيادة صدام حسين خطرا يهدد مصالحها.
انخرط العالم الكندي في مشروع بابل وبدأ عمله بتطوير مدفعين فائقين، الأول بالحجم الكامل وهو “بابل الكبرى” من عيار 1000 ملم، ومدفع فائق أولى بعيار 350 ملم أطلق عليه اسم “بابل الصغرى”.
كان من المفترض أن يصل طول سبطانة مدفع “بابل الكبرى” إلى 160 مترا وبقطر متر واحد، فيما كان ينتظر أن يكون الوزن الإجمالي لهذه المنظومة المدفعية الفريدة 1510 أطنان.
لم يتحقق حلم العالم الكندي باستبدال الصواريخ الناقلة للأقمار الصناعية الباهظة التكلفة بمدفعه الفائق الأقل تكلفة، مات المشروع باغتيال صاحبه بخمس رصاصات في الظهر وفي الرأس.
لو تمكن صدام حسين من صنع مدفعه العملاق، لكان كما يقول الخبراء، قد قزّم جميع المدافع العملاقة الشهيرة التي كان الألمان صنعوها في الحربين العالميتين.