في مثل هذا اليوم من عام 1967، أعلن الزعيم المصري جمال عبد الناصر بمرارة “النكسة”، تنحيه عن أي منصب رسمي، الأمر الذي زاد من تمسك مواطنيه به.
الجيش المصري كاد يغير وجه التاريخ!
في تلك الأيام السوداوية التي انهارت فيها الآمال بهزيمة الجيش وسيطرة إسرائيل على القدس والضفة الغربية في فلسطين، وتمددها واقتطاعها شبه جزيرة سيناء من مصر، خاطب عبد الناصر شعبه بلهجة تتأرجح بين الياس والأمل.
كانت الصدمة والذهول في تلك الأيام سيدة الموقف. سقطت الشعارات الرنانة والخطب الحماسية وبيانات الإذاعات الرسمية وبياناتها الوردية وأحاديثها الفجة عن انتصارات وهمية، وتحدث عبد الناصر حينها بلهجة جديدة، وقال مساء التاسع من يونيو 1967: ” لقد تعودنا معا في أوقات النصر وفي أوقات المحنة، في الساعات الحلوة وفي الساعات المرة، أن نجلس معا، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتا”.
هكذا رأى جمال عبد الناصر الموقف بعد تلك الهزيمة القاسية والسريعة، فهي “ظروف عصيبة”، ينتظرها “ضوء خافت”.
جمال عبد الناصر بمثابة عنوان ثابت في تاريخ المنطقة المعاصر، وهو في مقدمة زعماء كبار لا يهدأ الجدل حولهم، لكن الكثيرين يحبون “ناصر”، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على غيابه، ويجدون “العذر” له، ويحنون إليه بما في ذلك أجيال لم تره ولم تعش في أيامه. يحدث ذلك رغم أن تركة عبد الناصر لا يوجد بها على أكثر من مستوى إلا مناسبات للبكاء.
لذلك يبدو عبد الناصر بمثابة ظاهرة فريدة، وتحول إلى ما يشبه الرمز بأحاديثه ومواقفه ومظهره. هو مثل حلم جميل واعد أو أمل أمنت به الجموع الغفيرة. وحين حلت “النكسة” بكامل ظلمتها وبشاعتها، بقيت الناس على “عهدها” وتمسكت بهذا “الحلم” المهزوم باستماتة وتعاطف، ونظر الكثيرون إلى جمال بهذا المعنى بتجرد وفصلت عنه الهزيمة، ولذلك فضلت الحشود أن تخرج إلى الشوارع وترفض قرار تنحي عبد الناصر، مطالبة إياه أن يبقى معها في “خندق” واحد، نكاية بهذه “الهزيمة” التي لم يكن ينتظرها أحد!
يظهر مثل هذا الموقف النادر من التعاطف مع “زعيم” تميز بكاريزما خاصة في القصائد التي خرجت في رثاء عبد الناصر إثر وفاته في عام 1970.
من ذلك وصف الشاعر الكبير نزار قباني له بأنه من “الخوارق” التي لا تعاد، وبأنه “أسطورة”، وأن عبد الناصر “كل يوم في القبر يكبر”.
أما الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي فقد قدم التجسيد الأمثل لهذه الصورة الفريدة التي تبرئ عبد الناصر من “الهزيمة” وتكرسه رمزا أبديا لأمل لا يموت.
الأبنودي لم يكن ناصريا بل وذاق طعم سجون عبد الناصر، لكنه رثاه في قصيدة شعبية “عصماء” بحرقة ولوعة شديدتين، قائلا: “يعيش جمال عبد الناصر يعيش جمال حتى في موته”.
هذا “السحر” هو ما يجعل من عبد الناصر “ظاهرة”، تجاوزت مصر، وبقيت “حية” بإصرار أجيال من شعوب المنطقة على “بقائه” في “قلوبها” وعدم “تنحيه” إلى الأبد.
كثير منا مع توارد سيل الأنباء هذه الأيام،يرى كلمه (أكسيوس)
((أكسيوس)) كثير منا مع توارد سيل الأنباء هذه الأيام،يرى كلمه (أكسيوس) على شريط الأخبار والبعض منا يعتقد أن هذا أسم...
قراءة التفاصيل