وصلت الحرب الطويلة في أفغانستان إلى نقطة تحول قوية في 6 أغسطس عندما استولى مقاتلو طالبان على بلدة زارانج، وهي مدينة على الحدود الأفغانية الإيرانية، وهي أول مركز إقليمي يسقط خلال شهر من التقدم السريع.
وفي الأسابيع السابقة، اقتصر تقدم طالبان إلى حد كبير على الريف، وسيطرت على أكثر من نصف مقاطعات البلاد البالغ عددها 421، مع سرعة في التقدم نحو بلدان أخرى حتى الوصول إلى كابل في 15 أغسطس؛ نتيجة لتغير ميزان القوى منذ اتفاقية 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان، والتي ألزمت الولايات المتحدة بسحب قواتها من البلاد.
وقد ساعد في ذلك الدعم الباكستاني لطالبان، وكذلك إطلاق الحكومة الأفغانية سراح 5000 من مقاتلي طالبان المسجونين، وهو شرط من شروط الاتفاقية.
ولكن ماذا عن الكيفية التي سوف تتشكل بها العوامل الاقتصادية تحت تأثير الأحداث الجارية، بما في ذلك تجارة الأفيون والهيروين، التي تشتهر بهما أفغانستان؟
يقول جونثان جودهاند، أستاذ دراسات الصراع والتنمية في جامعة لندن، ليس من قبيل الصدفة أن تركز طالبان على المدن الحدودية، لأن لهذه المدن أهمية اقتصادية كبيرة، وتسيطر طالبان الآن على حوالي عشر نقاط عبور دولية، بالإضافة إلى مدينة زارانج والتي تعد بوابة إلى باكستان ونقطة العبور الرئيسية إلى إيران، وقندوز التي تمنح السيطرة على الطرق شمالاً إلى طاجيكستان، ومن أهداف السيطرة على هذه المناطق هو التحكم في التجارة وعلى رأسها المخدرات، التي توسعت بشكل كبير منذ أوائل التسعينيات، بحسب موقع “ذا كونفيرزيشن”.
تسيطر طالبان حالياً على العديد من الأجزاء الرئيسية من الاقتصاد، مناطق زراعة الخشخاش الرئيسية، وكذلك الأسواق والطرق التجارية إلى باكستان وإيران وطاجيكستان، ما يمكنها من فرض ضرائب على نقاط مختلفة.
كما أن السيطرة على الحدود تمكن طالبان من فرض قيود اقتصادية على السلع المستوردة مثل البنزين والغاز، مما يمنحهم مزيدًا من النفوذ على كابل، بحسب ما ذكره جودهاند.
ماذا عن تجارة المخدرات؟
في عام 2020 وفقًا لآخر مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كانت هناك زيادة بنسبة 37 ٪ في مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الخشخاش، ارتبط هذا بمجموعة من العوامل منها عدم الاستقرار السياسي والصراعات، والجفاف، والفيضانات الموسمية العالية، وانخفاض التمويل الدولي وفرص العمل، ومن المرجح أن يستمر هذا لأن الدوافع الهيكلية لاقتصاد الأفيون، وهي الصراع المسلح وسوء الحكم وانتشار الفقر، كلها تتحرك في اتجاه سلبي، وفي كل من الريف والمدن الحدودية يوفر اقتصاد الأفيون شريان حياة مهمًا للأفغان.
أضاف جودهاند: “من غير المرجح أن يكون هناك تحول في اقتصاد المخدرات غير المشروع في أفغانستان خلال وقت قريب، ورغم تصريحات كل من طالبان والحكومة سابقاً بتصريحات بشأن معالجة المخدرات غير المشروعة، لكن الدوافع الكامنة وراء وجود هذه التجارة لازالت قوية، إن تجارة المخدرات متجذرة بعمق في استراتيجيات التراكم والبقاء لطالبان، والميليشيات التي تصمد حاليًا لمحاربة طالبان، والسكان كمصدر للحياة، سيؤدي هذا إلى دفع سوق الهيروين العالمي”.
أشار مسؤولون وخبراء حاليون وسابقون من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، في الوقت الذي تُنهي فيه الولايات المتحدة أطول حرب لها، تظل أفغانستان أكبر مورد غير مشروع للمواد الأفيونية في العالم، ويبدو أنها ستبقى كذلك، بحسب ما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
وقال سيزار جودس، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في كابل لرويترز: “طالبان تعتمد على تجارة الأفيون الأفغانية كأحد مصادر دخلها الرئيسية، ومع دخول المقاتلين كابل خلال الأيام الماضية، سوف تكون الفرصة أكبر لتوسيع هذه التجارة”.
يذكر أن خلال السنوات الأربع الماضية شهدت أعلى مستويات إنتاج الأفيون في أفغانستان، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حتى مع تفشي جائحة COVID-19، وأن أعلى تقدير على الإطلاق لإنتاج الأفيون تم تحديده في عام 2017 بمقدار 9900 طن، ما يساوي 1.4 مليار دولار في مبيعات المزارعين أو ما يقرب من 7% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.
تؤكد الأمم المتحدة وواشنطن أن طالبان متورطة في جميع الجوانب ، من زراعة الخشخاش واستخراج الأفيون والاتجار إلى فرض ضرائب من المزارعين ومختبرات المخدرات إلى فرض رسوم للمهربين على الشحنات المتجهة إلى إفريقيا وأوروبا وكندا وروسيا والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من آسيا، وأفاد مسؤولو الأمم المتحدة أن طالبان ربحت على الأرجح أكثر من 400 مليون دولار بين عامي 2018 و2019 من تجارة المخدرات.
بينما يقول ديفيد مانسفيلد، الباحث البارز في تجارة المخدرات غير المشروعة في أفغانستان، إن دراساته الميدانية تظهر أن أقصى ما يمكن أن تكسبه طالبان من المواد الأفيونية غير المشروعة هو حوالي 40 مليون دولار سنويًا، معظمها من الرسوم المفروضة على إنتاج الأفيون ومختبرات الهيروين وشحنات المخدرات.
يرى محللون أن طالبان في مأزق فهي تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي وبالتالي منع تجارة المخدرات، ولكن ربما هذه الخطوة تعود عليهم بعاصفة من الرفض الداخلي، مثلما حدث عام 2000 عندما حظرت زراعة الخشخاش سعيا وراء الشرعية الدولية، لكنها واجهت ردة فعل شعبية عنيفة