تترقب أوروبا عن كثبٍ الحملةَ الانتخابية التي تُجرى في أمريكا استعدادًا لمواجهة الرئيس الأمريكي القادم، والخشية من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب للحكم. ويرجع ذلك إلى تصريحاته المقلقة بشأن مواصلة دعم أمريكا لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ومطالبة ترامب للدول الأوروبية بدفع حصصها المالية المقررة لحلف الناتو، وكذلك الخشية من إمكانية فرض ترامب ضرائب على السلع والمنتجات والمواد الخام الأوروبية التي يتم تصديرها إلى الولايات المتحدة. علاوة على خشية أوروبا أيضًا من عدم التزام ترامب بالاتفاقات الدولية المبرمة، وبخاصة المتعلقة باتفاقات المناخ، وإمكانية التقارب مع روسيا، وغيرها من السياسات الخارجية التي لا يراها الغرب في صالحهم، وصالح مستقبل اتحادهم. إن أوروبا تخشى من انسحاب ترامب من حلف الناتو، وبالتالي إمكانية تعرُّض الحلف للانكسار بعد أن ظلت أوروبا تعيش لسنوات مزدهرة تحت مظلة الحماية الأمريكية الراعية لحلف الناتو. ولهذا فإن الرئيس ترامب دائمًا ما يخيف أوروبا باللعب على هذا الوتر الحساس، فقد صرّح بأن أمريكا لن تتدخل لمساعدة أوروبا في حالة تعرُّضها لحرب، ويرجع السبب في ذلك لتقاعس دول أوروبية كثيرة عن دفع حصصها المالية المقررة لحلف الناتو، ما جعل أمريكا طوال تلك السنوات الماضية تقوم بدفع التكاليف المادية والعسكرية عن تلك الدول. ويأتي هذا التخوف الأوروبي بعد أن فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري في الكثير من الولايات الأمريكية، وخروج المرشحين المنافسين له من السباق، ما يجعل من ترامب المرشح الأول لخوض السباق الانتخابي في نوفمبر القادم 2024 ضد الرئيس الديمقراطي الحالي چو بايدن. الأمر الذي جعل الأوروبيين يستعدون لاحتمالية عودته للحكم، ويناقشون -وفقًا لآراء المراقبين والمحللين- فكرة إقامة قوة أوروبية بديلًا عن حلف الناتو، أو قبول دول الاتحاد الأوروبي بتحقيق ما يطلبه الرئيس ترامب، واستعداد القادة والدبلوماسيين الأوروبيين لتبني نهج يُرضي ترامب وأنصاره من الجمهوريين ما إن استدعى الأمر ذلك، منعًا للصدامات السياسية والاقتصادية المتهورة الناجمة من قرارات ترامب.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتأخر فيه أمريكا عن تقديم حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار، بسبب خلافات الحزب الجمهوري مع الرئيس الحالي چو بايدن لعدم اتخاذه تدابير أمنية على الحدود بين أمريكا والمكسيك، هذا في الوقت الذي تواجه فيه القوات الأوكرانية تراجعًا وإخفاقا في القتال مع روسيا بعد عامين من الحرب مع روسيا. ويخشى الأوروبيون في حالة عودة ترامب للحكم أن يتخلى عن مساعدة أوكرانيا، ولربما عن مساعدة أوروبا في حالة تعرُّض أمن دولها للخطر. الأمر الذي جعل القادة الأوروبيين -وعلي رأسهم قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا والدول الاسكندنافية- يفكرون في الاعتماد على أنفسهم لحماية أمنهم، ويرون في حالة تحقيق ذلك تقدمًا عظيمًا لمستقبل أوروبا.