عُظماء عملوا في قرية الرمالي .. كنت قد سعيت منذ فترة ، مُستخدماً البحث الدقيق والمُوثق لتتبع بدايات التعليم بقرية الرمالي التابعة لقويسنا بالمنوفية .. وقد وُفُقت في حصر أسماء أبرز ثلاثة نُظار ، تولوا نظارة وإدارة مدرسة متولي القلشي بالرمالي ، التي تم استئجار مقر لها، قرابة عام ١٩٢٥م .
وكنت قد إستعرضت سابقاً ، سيرة الشيخ عبدالغني المرسي شلبي كأحد نُظّار تلك المدرسة العريقة .. واليوم نستعرض سيرة ومشوار المعلم الجليل والمربي الفاضل الشيخ علي محمد الشعشاعي ، إبن قرية كفر عليم التابعة لبركة السبع منوفية ، والذي عمل ناظراً لمدرسة متولي القلشي قرابة عام ١٩٤٩ م ، ذلك الرجل عظيم القدر والمقام ، الذي لايزال يتذكره تلامذته بالرمالي وخارجها ، بكل خير و فخر ، رغم وصولهم لسن الثمانين عاماً ، بفضل ما علمهم من علم نافع ، وترك في أنفسهم أثراً طيباً ، وكان سبباً في تقويمهم وتهذيبهم نحو الحُسني .
وقد أكد لي بعض تلاميذ الشيخ علي الشعشاعي أنه كان ضخم البُنيان ، حريصاً علي إرتداء العِمّة والجِبّه والقُفطان ، بحكم إنتمائه للأزهر الشريف الذي تعلم فيه ، بعكس بعض المعلمين الآخرين الذين تعودوا إرتداء البِدلْ والطرابيش ، وكان يطلق عليهم لقب أفنديه !!
كان الميعاد اليومي لوصول الشيخ علي الشعشاعي من بلدته كفر عليم إلي قرية الرمالي ، هو الساعة السابعة صباحاً ، فكان يحضر مُمتطياً دابته ، وعند وصوله للمدرسة ، يُبادر أحد عُمالها بأخذ لِجامها ، وربطها بالقُرب من المدرسة لحين إنتهاء اليوم الدراسي .
ولأن الشيخ الشعشاعي ، لم يكن مُقصراً في ميعاد وصوله لعمله
، رغم بُعد المسافة بين الرمالي وكفر عليم ، فإنه ذات مرة ، إضطر للسعي في نقل أحد معلمي متولي القلشي ، إلي قرية منشأة دملو التابعة لقويسنا ، بسبب تكرار وصوله للمدرسة متأخراً ، رغم تكرار عِتابه الشيخ الشعشاعي له ، إلا أنه لم يعتدل عن ذلك .
وأثناء توليه نظارة متولي القلشي ، لم يكن الشيخ الشعشاعي يعرف التهاون في عقاب أي طفل مُهمل ، بل حرص علي توقيع الجزاء علي الطلاب المُقصرين .
كان العم محمد سليم، أو العم عبدربه ، العاملَينْ بالمدرسة ، يقوم أحدهما بتثبيت قدميْ الطفل المُهمل في واجباته ، فيضرب عليهما الشيخ الشعشاعي ، كي لا يعود الطفل لتقصيره وإهماله في مذاكرته ، وقتما كان الضرب وسيلة ضرورية للتعليم والتقويم .
وبالتواصل مع أحد أحفاد أسرة الشيخ الراحل ، وهو الأستاذ محمد لبيب علي الشعشاعي ، تفضل مشكوراً بإرسال صورة شخصية لجده الشيخ الشعشاعي ، كما أرسل لي بعض المعلومات الشخصية عن حياة الشيخ الشعشاعي ، وله مني كل الشكر والعرفان .
وُلِدَ الشيخ علي الشعشاعي عام ١٩٠١ ميلادية ، حيث إلتحق بالدراسة بالأزهر الشريف ، وأتم حفظ القرآن الكريم ، وعقب إنتهاء تعليمه ، عُيِنَ في وظيفة مُدرس .
تدرج الشيخ الشعشاعي في وظيفته ، فأصبح ناظراً لمدرسة كفر عليم الإبتدائية ، أما في نهاية الأربعينيات تحديدا ً ، شرُفت به الرمالي وإفتخرت بكونه ناظراً لأول مدرسة بها ، وبفضل شخصيته القوية وما تمتع به من هيبه ووقار ، فإن إسمه وسيرته العطره، لا تزال علي ألسنة من تعلموا علي يديه ، فتري كلمات المدح والدعاء بالرحمة تُرافق ذِكْرُه ، وقتما ذُكِرْ ، رغم مرور عقود طويله علي فترة عمله وتواجده ببلدة الرمالي.
والجدير بالذكر أن الشيخ علي الشعشاعي ، كان أبرز أعيان كفر عليم ، حيث إمتلك عدد من الأفدنة في حياته ، وبجوار عمله كمُدرس للغة العربية ، إعتني الشيخ الشعشاعي بمجال الزراعة .
أيضاً كان الشيخ الشعشاعي تاجراً كبيراً لمنتجات الألبان بأنواعها ، كما إمتلك مزرعة للمواشي والخيل والجِمال .
بني الشيخ الشعشاعي بيته الكبير علي تراث معماري مُدهش ، فكان علامة مميزة للغاية داخل بلدته ، كما حرص الشيخ علي إقامة الأنشطة الثقافية وغيرها ببيته أو بدوار عائلته أثناء حياته.
إهتم الشيخ الشعشاعي بتعليم أولاده الثمانية ، حيث تقلد جميعهم أرقي الوظائف وأسماها ، أما من إنتهجوا نهْجه ، وعملوا بالتدريس ، فمِنْ بينهم نجله الراحل الأستاذ لبيب الشعشاعي ، الذي عمل تخرج في كلية الآداب ، وعمل معلماً بالأزهر ، كما سلكت إبنته المُعلمة فكيهة مجال التدريس مثل أبيها ، أيضاً كانت كريمته وفاء إحدي مُعلمات مادة أحياء ، عِلماً بأن الشيخ علي الشعشاعي له ٢٨ سِبطْ وحفيد .
إستمرت رحلة عطاء المعلم القدير الشيخ علي الشعشاعي ، فكان سبباً في تقويم وتعليم أجيال كثيرة ، بقري وبلدان شتي ، وفي الخامس من يوليو عام ١٩٧١ م ، فاضت روح الشيخ إلي بارئها .
رحم الله مُعلم آباءنا وأجدادنا بالرمالي في أربعينيات القرن الماضي ، والذين لا يزالون يشهدون بكونه كان مثلاً أعلي لكل معلم نشيط و قائد جاد في عمله .. رحم الله ناظر مدرسة متولي القلشي ، وكل معلمينا العِظام .